يَوْمُ السَّبْتِ لَمْ تَزُلْ وِلَايَتُهُ لِبَقَائِهَا عَلَى أَمْثَالِهِ مِنْ الْأَيَّامِ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ النَّظَرِ فِيمَا عَدَاهُ ، وَلَوْ قَالَ وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا : مَنْ نَظَرَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ بَيْنَ الْخُصُومِ فَهُوَ خَلِيفَتِي لَمْ يَجُزْ لِلْجَهْلِ بِالْمُوَلَّى ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ ، فَلَوْ قَالَ مَنْ نَظَرَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ خَلِيفَتِي لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِلْجَهْلِ بِهِ ، وَلِأَنَّهُ يُصَيِّرُ تَمْيِيزَ الْمُجْتَهِدِ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ غَيْرِهِ مِنْ الْخُصُومِ .وَلَوْ قَالَ مَنْ نَظَرَ فِيهِ مِنْ مُدَرِّسِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَوْ مُفْتِيِّي أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَمَّى عَدَدًا فَقَالَ مَنْ نَظَرَ فِيهِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ فَهُوَ خَلِيفَتِي لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ قَلَّ الْعَدَدُ أَوْ كَثُرَ ، لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْهُمْ مَجْهُولٌ لَكِنْ إذَا قَالَ قَدْ رَدَدْتُ النَّظَرَ فِيهِ إلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ جَازَ سَوَاءٌ قَلَّ الْعَدَدُ أَوْ كَثُرَ ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ مُوَلَّى فَإِذَا نَظَرَ فِيهِ أَحَدُهُمْ تَعَيَّنَ وَزَالَ نَظَرُ الْبَاقِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُمْ عَلَى النَّظَرِ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ بِهِ أَحَدَهُمْ ، فَإِنْ جَمَعَهُمْ عَلَى النَّظَرِ فِيهِ لَمْ يَجُزْ إنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ ، وَفِي جَوَازِهِمْ إنْ قَلَّ وَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ ( فَصْلٌ ) فَأَمَّا طَلَبُ الْقَضَاءِ وَخُطْبَةُ الْوُلَاةِ عَلَيْهِ : فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ كَانَ تَعَرُّضُهُ لِطَلَبِهِ مَحْظُورًا وَصَارَ بِالطَّلَبِ مَجْرُوحًا ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا نَظَرُهُ فَلَهُ فِي طَلَبِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ ، إمَّا لِنَقْصِ عِلْمِهِ ، وَإِمَّا لِظُهُورِ جَوْرِهِ فَيَخْطُبُ الْقَضَاءَ دَفْعًا لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِيَكُونَ فِيمَنْ هُوَ بِالْقَضَاءِ أَحَقُّ فَهَذَا سَائِغٌ لِمَا تَضْمَنَّهُ مِنْ دَفْعِ مُنْكَرٍ ، ثُمَّ يَنْظُرُ ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ إزَالَةَ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ كَانَ مَأْجُورًا ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ اخْتِصَاصَهُ بِالنَّظَرِ فِيهِ كَانَ مُبَاحًا .وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ فِي مُسْتَحِقِّهِ وَمَنْ هُوَ أَهْلُهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْهُ إمَّا لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا وَإِمَّا لِيَجُرَّ بِالْقَضَاءِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا ؛ فَهَذَا الطَّلَبُ مَحْظُورٌ وَهُوَ بِهَذَا الطَّلَبِ مَجْرُوحٌ .وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ : أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَضَاءِ نَاظِرٌ وَهُوَ خَالٍ مِنْ وَالٍ عَلَيْهِ ؛ فَيُرَاعِي فِي طَلَبِهِ ؛ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَتِهِ إلَى رِزْقِ الْقَضَاءِ الْمُسْتَحَقِّ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَانَ طَلَبُهُ مُبَاحًا ، وَإِنْ كَانَ لِرَغْبَةٍ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ وَخَوْفِهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ كَانَ طَلَبُهُ مُسْتَحَبًّا ، فَإِنْ قَصَدَ بِطَلَبِهِ الْمُبَاهَاةَ وَالْمَنْزِلَةَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِهِ ، فَكَرِهَتْهُ طَائِفَةٌ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُبَاهَاةِ وَالْمَنْزِلَةِ فِي الدُّنْيَا مَكْرُوهٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : * ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) * .