نَظَرَ ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ بَعْدَ الْقَتْلِ .وَقَالَ مَالِكٌ يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يَطْعَنُهُ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَمُوتَ وَهَذَا الْقَتْلُ مَحْتُومٌ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ وَلِيُّ الدَّمِ كَانَ عَفْوُهُ لَغْوًا وَيُصْلَبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَتَجَاوَزُهَا ثُمَّ يَحُطُّهُ بَعْدَهَا ، وَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ قَتَلَهُ وَلَمْ يَصْلُبْهُ وَغَسَّلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ .وَقَالَ مَالِكٌ يُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ مَنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَكَانَ قَطْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى لِسَرِقَتِهِ وَقَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِمُجَاهَرَتِهِ ، وَمَنْ جَرَحَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ اقْتَصَّ مِنْهُمْ الْجَارِحَ إنْ كَانَ فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ ، وَفِي إحْتَامِ الْقِصَاصِ فِي الْجُرُوحِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَحْتُومٌ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ كَالْقَتْلِ وَالثَّانِي هُوَ إلَى خِيَارِ مُسْتَحِقِّهِ تَجِبُ بِمُطَالَبَتِهِ وَيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْجَرْحُ مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَجَبَتْ دِيَةُ الْمَجْرُوحِ إنْ طَلَبَ بِهَا وَتَسْقُطُ إنْ عَفَا عَنْهَا ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُهِيبًا أَوْ مُكْثِرًا لَمْ يُبَاشِرْ قَتْلًا وَلَا جَرْحًا وَلَا أَخْذَ مَالٍ عُزِّرَ أَدَبًا وَزَجْرًا وَجَازَ حَبْسُهُ لِأَنَّ الْحَبْسَ أَحَدُ التَّعْزِيرَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ بِهِ ذَلِكَ ؛ لَا قَطْعٌ وَلَا قَتْلٌ .وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ فِيهِ إلْحَاقًا بِحُكْمِ الْمُبَاشِرِينَ مَعَهُ ، فَإِنْ تَابُوا عَنْ جَرَائِمِهِمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْمَآثِمُ دُونَ الْمَظَالِمِ وَأُخِذُوا بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ ، فَإِنْ تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ مَعَ الْمَآثِمِ حُدُودُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُمْ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ فَالْخِيَارُ إلَى الْوَلِيِّ فِي الْقِصَاصِ مِنْهُ أَوْ الْعَفْوِ عَنْهُ وَيَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ إحْتَامُ قَتْلِهِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ أَخَذَ الْمَالَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْغُرْمُ إلَّا بِالْعَفْوِ ، وَيَجْرِي عَلَى الْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي الْأَمْصَارِ حُكْمُ قُطَّاعِهِ فِي الصَّحَارِي وَالْأَسْفَارِ ، وَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا بِالْجَرَاءَةِ فِي الْأَمْصَارِ أَغْلَظُ جُرْمًا لَمْ يَكُونُوا أَخَفَّ حُكْمًا .وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَخْتَصُّونَ بِهَذَا الْحُكْمِ فِي الصَّحَارِي حَيْثُ لَا يُدْرَكُ الْغَوْثُ ، فَأَمَّا فِي الْأَمْصَارِ أَوْ خَارِجِهَا بِحَيْثُ يُدْرَكُ الْغَوْثُ فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْجُرْأَةِ فِي الْأَمْصَارِ ، وَإِذَا ادَّعَوْا التَّوْبَةَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالدَّعْوَى أَمَارَاتٌ تَدُلُّ عَلَى التَّوْبَةِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُمْ لَهَا لِمَا فِي سُقُوطِهَا مِنْ حَدٍّ قَدْ وَجَبَ .وَإِنْ اُقْتُرِنَ بِدَعْوَاهُمْ أَمَارَاتٌ تَدُلُّ عَلَى التَّوْبَةِ فَفِي قَبُولِهَا مِنْهُمْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ : أَحَدُهُمَا تُقْبَلُ لِيَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً تَسْقُطُ بِهَا الْحُدُودُ .وَالثَّانِي : لَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ تَشْهَدُ لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهَا حُدُودٌ قَدْ وَجَبَتْ ، وَالشُّبْهَةُ مَا اُقْتُرِنَتْ بِالْفِعْلِ لَا مَا تَأَخَّرَتْ عَنْهُ .