* ( نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَقَدْ كَتَبَ كِتَابًا إلَى أَهْلِ مَكَّةَ حِينَ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَزْوِهِمْ يُعْلِمُهُمْ فِيهِ حَالَ مَسِيرِهِ إلَيْهِمْ وَأَنْفَذَهُ مَعَ سَارَةَ مَوْلَاةٍ لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهَا فَأَنْفَذَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ فِي أَثَرِهَا حَتَّى أَخْرَجَاهُ مِنْ قَرْنِ رَأْسِهَا ، فَدَعَا حَاطِبًا وَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ فَقَالَ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمُؤْمِنٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا كَفَرْتُ وَلَا بَدَّلْتُ وَلَكِنِّي امْرُؤٌ لَيْسَ لِي فِي الْقَوْمِ أَصْلٌ وَلَا عَشِيرَةٌ وَكَانَ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَهْلُ وَلَدٍ فَطَالَعْتُهُمْ بِذَلِكَ وَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) * .وَأَمَّا مَا يَلْزَمُهُمْ فِي حَقِّ الْأَمِيرِ عَلَيْهِمْ فَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا الْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَالدُّخُولُ فِي وِلَايَتِهِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِمْ انْعَقَدَتْ وَطَاعَتُهُ بِالْوِلَايَةِ وَجَبَتْ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : * ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) * .وَفِي أُولِي الْأَمْرِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ الْأُمَرَاءُ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ .وَالثَّانِي أَنَّهُمْ الْعُلَمَاءُ ، وَهَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ ؛ وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * ( : مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ .وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي .وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ .وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي ) * .وَالثَّانِي : أَنْ يُفَوِّضُوا الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ وَيَكِلُوهُ إلَى تَدْبِيرِهِ حَتَّى لَا تَخْتَلِفَ آرَاؤُهُمْ فَتَتْلَفَ كَلِمَتُهُمْ وَيَفْتَرِقَ جَمْعُهُمْ ، قَالَ تَعَالَى : * ( وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) * .فَجَعَلَ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ إلَى وَلِيِّهِ سَبَبًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ وَسَدَادِ الْأَمْرِ ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ صَوَابٌ خَفِيَ عَلَيْهِ بَيَّنُوهُ لَهُ وَأَشَارُوا بِهِ عَلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ نُدِبَ إلَى الْمُشَاوَرَةِ لِيَرْجِعَ بِهَا إلَى الصَّوَابِ .وَالثَّالِثُ : أَنْ يُسَارِعُوا إلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالْوُقُوفِ عَنْهُ نَهْيِهِ وَزَجْرِهِ ، لِأَنَّهُمَا مِنْ لَوَازِمِ طَاعَتِهِ .فَإِنْ تَوَقَّفُوا عَمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ وَأَقْدَمُوا عَلَى مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ فَلَهُ تَأْدِيبُهُمْ عَلَى الْمُخَالَفَةِ بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ وَلَا يُغْلِظُ ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : * ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) * ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : * ( خَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ ) * .