حُرْمَتَكَ إنَّهُ لَقَبِيحٌ بِكَ أَنْ تُكَلِّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حُرْمَتَكَ فَهُوَ أَقْبَحُ ، ثُمَّ وَلَّى عَنْهُ وَجَلَسَ لِلنَّاسِ يُحَدِّثُهُمْ فَإِذَا بِرُقْعَةٍ قَدْ أُلْقِيَتْ فِي حِجْرِهِ مَكْتُوبٍ فِيهَا ( مِنْ الْكَامِلِ ) :إنَّ الَّتِي أَبْصَرْتَنِي * سَحَرًا أُكَلِّمُهَا رَسُولْ أَدَّتْ إلَيَّ رِسَالَةً * كَادَتْ لَهَا نَفْسِي تَسِيلْ مِنْ فَاتِرِ الْأَلْحَاظِ يَجْ * ذِبُ خَصْرَهُ رِدْفٌ ثَقِيلْ مُتَنَكِّبًا قَوْسَ الصِّبَا * يَرْمِي وَلَيْسَ لَهُ رَسِيلْ فَلَوْ أَنْ أُذْنَكَ بَيْنَنَا * حَتَّى تَسَمَّعَ مَا نَقُولْ لَرَأَيْتَ مَا اسْتَقْبَحْتَ مِنْ * أَمْرِي هُوَ الْحَسَنَ الْجَمِيلْ فَقَرَأَهَا ابْنُ عَائِشَةَ وَوَجَدَ مَكْتُوبًا عَلَى رَأْسِهَا أَبُو نُوَاسٍ ، فَقَالَ ابْنُ عَائِشَةَ : مَا لِي وَلِلتَّعْرِيضِ لِأَبِي نُوَاسٍ .وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ إنْكَارِ ابْنِ عَائِشَةَ كَافٍ لِمِثْلِهِ ، وَلَا يَكُونُ لِمَنْ نُدِبَ لِلْإِنْكَارِ مِنْ وُلَاةِ الْحِسْبَةِ كَافِيًا ، وَلَيْسَ فِيمَا قَالَهُ أَبُو نُوَاسٍ تَصْرِيحٌ بِفُجُورٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ وَإِنْ كَانَتْ شَوَاهِدُ حَالِهِ وَفَحْوَى كَلَامِهِ يَنْطِقَانِ بِفُجُورِهِ وَرِيبَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ مِثْلِ أَبِي نُوَاسٍ مُنْكَرًا وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ مُنْكَرًا .فَإِذَا رَأَى الْمُحْتَسِبُ فِي هَذَا الْحَالِ مَا يُنْكِرُهُ تَأَتَّى وَتَفَحَّصَ وَرَاعَى شَوَاهِدَ الْحَالِ وَلَمْ يُعَجِّلْ بِالْإِنْكَارِ قَبْلَ الِاسْتِخْبَارِ ، كَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ : بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إذْ رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ وَعَلَى عَاتِقِهِ امْرَأَةٌ مِثْلُ الْمَهَاةِ يَعْنِي حُسْنًا وَجَمَالًا وَهُوَ يَقُولُ ( مِنْ السَّرِيعِ ) :قُدْتُ لِهَذِي جَمَلًا ذَلُولًا * مُوَطَّأً أَتْبَعُ السَّهُولَا أَعْدِلُهَا بِالْكَفِّ أَنْ تَمِيلَا * أَحْذَرُ أَنْ تَسْقُطَ أَوْ تَزُولَا أَرْجُو بِذَاكَ نَائِلًا جَزِيلًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنْ هَذِهِ الَّتِي وَهَبْتَ لَهَا حَجَّكَ ؟ فَقَالَ امْرَأَتِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّهَا حَمْقَاءُ مِرْغَامَةٌ ، أَكُولٌ قِمَامَةٌ ، لَا يَبْقَى لَهَا خَامَةٌ .فَقَالَ لَهُ مَا لَكَ لَا تُطَلِّقُهَا ؟ قَالَ إنَّهَا حَسْنَاءُ لَا تُفْرَكُ ، وَأُمُّ صِبْيَانٍ لَا تُتْرَكُ .قَالَ فَشَأْنُكَ بِهَا .