وَالْمَشْتُومُ كَانَ وَلِيُّ الْأَمْرِ بَعْدَ عَفْوِهِمَا عَلَى خِيَارِهِ فِي فِعْلِ الْأَصْلَحِ مِنْ التَّعْزِيرِ تَقْوِيمًا وَالصَّفْحِ عَنْهُ عَفْوًا ، فَإِنْ تَعَافَوْا عَنْ الشَّتْمِ وَالضَّرْبِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَيْهِ سَقَطَ التَّعْزِيرُ الْآدَمِيُّ .وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِ حَقِّ السَّلْطَنَةِ عَنْهُ وَالتَّقْوِيمِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ .أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ أَنَّهُ يَسْقُطُ ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعَزِّرَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ أَغْلَظُ وَيَسْقُطُ حُكْمُهُ بِالْعَفْوِ فَكَانَ حُكْمُ التَّعْزِيرِ بِالسَّلْطَنَةِ أَسْقَطَ .وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعَزِّرَ فِيهِ مَعَ الْعَفْوِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَيْهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَزِّرَ فِيهِ مَعَ الْعَفْوِ بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَيْهِ مُخَالَفَةً لِلْعَفْوِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ مِنْ حُقُوقِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ، وَلَوْ تَشَاتَمَ وَتَوَاثَبَ وَالِدٌ مَعَ وَلَدٍ سَقَطَ تَعْزِيرُ الْوَالِدِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَمْ يَسْقُطْ تَعْزِيرُ الْوَلَدِ فِي حَقِّ الْوَالِدِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ ، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِوَالِدِهِ وَكَانَ تَعْزِيرُ الْأَبِ مُخْتَصًّا بِحَقِّ السَّلْطَنَةِ ، وَالتَّقْوِيمُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْوَلَدِ .وَيَجُوزُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ ، وَكَانَ تَعْزِيرُ الْوَلَدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ حَقِّ الْوَلَدِ وَحُقُوقِ السَّلْطَنَةِ ، فَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ مَعَ مُطَالَبَةِ الْوَالِدِ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ لَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي الَّذِي يَخْتَلِفُ فِيهِ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ .وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْحَدَّ وَإِنْ كَانَ مَا حَدَثَ عَنْهُ مِنْ التَّلَفِ هَدَرًا فَإِنَّ التَّعْزِيرَ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا حَدَثَ عَنْهُ مِنْ التَّلَفِ قَدْ أَرْهَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَةً فَأُخْمِصَتْ بَطْنُهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَشَاوَرَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَمَلَ دِيَةَ جَنِينِهَا .وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ دِيَةِ التَّعْزِيرِ فَقِيلَ : تَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، وَقِيلَ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، فَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَفِي مَالِهِ إنْ قِيلَ : إنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَإِنْ قِيلَ : إنَّ الدِّيَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَفِي مَحَلِّ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا فِي مَالِهِ .وَالثَّانِي : فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَهَكَذَا الْمُعَلِّمُ إذَا ضَرَبَ صَبِيًّا أَدَبًا مَعْهُودًا فِي الْعُرْفِ فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ ضَمِنَ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةَ فِي مَالِهِ .وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ إذَا نَشَزَتْ عَنْهُ ، فَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ ضَرْبِهِ ضَمِنَ دِيَتَهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا إنْ قَتَلَهَا فَيُقَادُ بِهَا .وَأَمَّا صِفَةُ الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَصَا وَبِالسَّوْطِ الَّذِي كُسِرَتْ ثَمَرَتُهُ كَالْحَدِّ .وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ بِسَوْطٍ لَمْ تُكْسَرْ ثَمَرَتُهُ فَذَهَبَ الزُّبَيْرِيُّ إلَى جَوَازِهِ ، فَإِنْ زَادَ فِي الصِّفَةِ عَلَى ضَرْبِ الْحُدُودِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبْلَغَ بِهِ إنْهَارُ الدَّمِ .وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى حَظْرِهِ بِسَوْطٍ لَمْ تُكْسَرْ ثَمَرَتُهُ ، لِأَنَّ الضَّرْبَ فِي الْحُدُودِ أَبْلَغُ وَأَغْلَظُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ مَحْظُورٌ فَكَانَ فِي التَّعْزِيرِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْلَغَ بِتَعْزِيرٍ إنْهَارُ الدَّمِ ، وَضَرْبُ الْحَدِّ