وَأَمَّا الْغَنِيمَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْغَانِمَيْنِ الَّذِينَ تَعَيَّنُوا بِحُضُورِ الْوَاقِعَةِ لَا يَخْتَلِفُ مَصْرِفُهَا بِرَأْيِ الْإِمَامِ ، وَلَا اجْتِهَادَ لَهُ فِي مَنْعِهِمْ مِنْهَا فَلَمْ تَصِرْ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ .وَأَمَّا خُمُسُ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ مِنْهُ يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ ، وَهُوَ سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَصْرُوفِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِوُقُوفِ مَصْرِفِهِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ ، وَقِسْمٌ مِنْهُ لَا يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِجَمَاعَتِهِمْ فَتَعَيَّنَ مَالِكُوهُ ، وَخَرَجَ عَنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ لِخُرُوجِهِ عَنْ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَرَأْيِهِ .وَقِسْمٌ مِنْهُ يَكُونُ بَيْتُ الْمَالِ فِيهِ حِفَاظًا لَهُ عَلَى جِهَاتِهِ وَهُوَ سَهْمُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إنْ وَجَدُوا دُفِعَ إلَيْهِمْ وَإِنْ فَقَدُوا أُحْرِزَ لَهُمْ .وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَضَرْبَانِ : صَدَقَةُ مَالٍ بَاطِنٍ فَلَا يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَنْفَرِدَ أَرْبَابُهُ بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ فِي أَهْلِهَا .وَالضَّرْبُ الثَّانِي : صَدَقَةُ مَالٍ ظَاهِرٍ كَأَعْشَارِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَصَدَقَاتِ الْمَوَاشِي ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فِي أَهْلِ السَّهْمَيْنِ ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنُ الْجِهَاتِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ عَلَى غَيْرِ جِهَاتِهِ ، لَكِنْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ هَلْ يَكُونُ بَيْتُ الْمَالِ مَحِلًّا لِإِحْرَازِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جِهَاتِهِ ؟ فَذَهَبَ فِي الْقَدِيمِ إلَى أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ إذَا تَعَذَّرَتْ الْجِهَاتُ يَكُونُ مَحِلًّا لِإِحْرَازِهِ فِيهِ إلَى أَنْ تُوجَدَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى وُجُوبَ دَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ وَرَجَعَ عَنْهُ فِي مُسْتَجِدِّ قَوْلِهِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لَا يَكُونُ مَحِلًّا لِإِحْرَازِهِ اسْتِحْقَاقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى فِيهِ وُجُوبَ دَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ فَذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ إحْرَازُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ جَازَ إحْرَازُهُ فِيهِ .وَأَمَّا الْمُسْتَحَقُّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ فِيهِ حِرْزًا فَاسْتِحْقَاقُهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوُجُودِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَوْجُودًا فِيهِ كَانَ صَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ مُسْتَحَقًّا وَعَدَمُهُ مُسْقِطَ لِاسْتِحْقَاقِهِ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ بَيْتُ الْمَالِ لَهُ مُسْتَحِقًّا كَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَصْرِفُهُ مُسْتَحِقًّا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَأَرْزَاقِ الْجُنْدِ وَأَثْمَانِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَاسْتِحْقَاقُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالْوُجُودِ ، وَهُوَ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ مَعَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ ، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا عُجِّلَ دَفْعُهُ كَالدُّيُونِ مَعَ الْيَسَارِ ؛ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا وَجَبَ فِيهِ عَلَى الْإِنْظَارِ كَالدُّيُونِ مَعَ الْإِعْسَارِ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَصْرِفُهُ مُسْتَحِقًّا عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَالْأَرْفَاقِ دُونَ الْبَدَلِ فَاسْتِحْقَاقُهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوُجُودِ دُونَ الْعَدَمِ ، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَجَبَ فِيهِ وَسَقَطَ