وَقَالَ مَالِكٌ : وَقَضَى فِي سَيْلِ بَطْحَانَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَدَّرَهُ بِالْكَعْبَيْنِ ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَضَاءُ مِنْهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ .وَقَدْ يَخْتَلِفُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِينَ ، فَمِنْهَا مَا يَرْتَوِي بِالْيَسِيرِ ، وَمِنْهَا مَا لَا يَرْتَوِي إلَّا بِالْكَثِيرِ .وَالثَّانِي بِاخْتِلَافِ مَا فِيهَا ، فَإِنَّ لِلزَّرْعِ مِنْ الشُّرْبِ قَدْرًا وَلِلنَّخْلِ وَالْأَشْجَارِ قَدْرًا .وَالثَّالِثُ بِاخْتِلَافِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ ، فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّمَانَيْنِ قَدْرًا .وَالرَّابِعُ : بِاخْتِلَافِهَا فِي وَقْتِ الزَّرْعِ وَقَبْلِهِ ، فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ قَدْرًا .وَالْخَامِسُ : بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَاءِ فِي بَقَائِهِ وَانْقِطَاعِهِ ، فَإِنَّ الْمُنْقَطِعَ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَدَّخِرُ ، وَالدَّائِمُ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يُسْتَعْمَلُ ؛ فَلِاخْتِلَافِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ لَمْ يَكُنْ تَحْدِيدُهُ بِمَا قَضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَدِهَا ، وَكَانَ مُعْتَبَرًا بِالْعُرْفِ الْمَعْهُودِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ .فَلَوْ سَقَى رَجُلٌ أَرْضَهُ أَوْ فَجَّرَهَا فَسَالَ مِنْ مَائِهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَغَرَّقَهَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمُبَاحٍ ، فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ سَمَكٌ كَانَ الثَّانِي أَحَقَّ بِصَيْدِهِ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مِنْ مِلْكِهِ .وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : مِنْ الْأَنْهَارِ مَا احْتَفَرَهُ الْآدَمِيُّونَ لِمَا أَحْيَوْهُ مِنْ الْأَرْضِينَ فَيَكُونُ النَّهْرُ بَيْنَهُمْ مِلْكًا مُشْتَرَكًا كَالزُّقَاقِ الْمَرْفُوعِ بَيْنَ أَهْلِهِ لَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمْ بِمِلْكِهِ .فَإِنْ كَانَ هَذَا النَّهْرُ بِالْبَصْرَةِ يَدْخُلُهُ مَاءُ الْمَدِّ فَهُوَ يَعُمُّ جَمِيعَ أَهْلِهِ لَا يَتَشَاحُّونَ فِيهِ لِاتِّسَاعِ مَائِهِ وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى حَبْسِهِ لِعُلُوِّهِ بِالْمَدِّ إلَى الْحَدِّ الَّذِي تَرْتَوِي مِنْهُ جَمِيعُ الْأَرْضِينَ ثُمَّ يَقْبِضُ بَعْدَ الِارْتِوَاءِ فِي الْجَزْرِ ؛ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الْبَصْرَةِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي لَا مَدَّ فِيهَا ، وَلَا جَزْرَ فَالنَّهْرُ مَمْلُوكٌ لِمَنْ احْتَفَرَهُ مِنْ أَرْبَابِ الْأَرْضِينَ لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ فِي شُرْبٍ مِنْهُ ، وَلَا مَغِيضَ ، وَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنَصْبِ عِبَارَةٍ عَلَيْهِ وَلَا بِرَفْعِ مَائِهِ وَلَا إدَارَةِ رَحًى فِيهِ إلَّا عَنْ مُرَاضَاةِ جَمِيعِ أَهْلِهِ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِيمَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّفَرُّدِ بِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الزُّقَاقِ الْمَرْفُوعِ أَنْ يَفْتَحَ إلَيْهِ بَابًا ، وَلَا أَنْ يُخْرِجَ عَلَيْهِ جَنَاحًا وَلَا يَمُدَّ عَلَيْهِ سَابَاطًا إلَّا بِمُرَاضَاةِ جَمِيعِهِمْ .ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ شُرْبِهِمْ مِنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَتَنَاوَبُوا عَلَيْهِ بِالْأَيَّامِ إنْ قَلُّوا وَبِالسَّاعَاتِ إنْ كَثُرُوا ، وَيَقْتَرِعُوا إنْ تَنَازَعُوا فِي التَّرْتِيبِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ لَهُمْ تَرْتِيبُ الْأَوَّلِ وَمَنْ يَلِيهِ وَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَوْبَتِهِ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا ، ثُمَّ هُوَ مِنْ بَعْدِهَا عَلَى مَا تَرَتَّبُوا .وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَقْتَسِمُوا فِي النَّهْرِ عَرْضًا بِخَشَبَةٍ تَأْخُذُ جَانِبَيْ النَّهْرِ ، وَيُقْسَمُ فِيهَا حُفُورٌ مُقَدَّرَةٌ بِحُقُوقِهِمْ مِنْ الْمَاءِ فِي كُلِّ حُفْرَةٍ مِنْهَا قَدْرُ مَا اسْتَحَقَّهُ صَاحِبُهَا مِنْ خُمُسٍ أَوْ عُشْرٍ وَبِأَخْذِهِ إلَى أَرْضِهِ عَلَى الْأَدْوَارِ .