وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزْدَادَ لِلْمَأْمُونِ - وَكَانَ وَزِيرَهُ - مِنْ الْبَسِيط : مَنْ كَانَ حَارِسَ دُنْيَا إنَّهُ قَمِنٌ أَنْ لَا يَنَامَ وَكُلُّ النَّاسِ نُوَامُ وَكَيْفَ تَرْقُدُ عَيْنَا مَنْ تَضَيَّفَهُ هَمَّانِ مِنْ أَمْرِهِ حَلٌّ وَإِبْرَامُ .( فَصْلٌ ) وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ فَقَدْ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ ، وَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقَّانِ الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ .وَاَلَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُهُ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْإِمَامَةِ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا جَرْحٌ فِي عَدَالَتِهِ وَالثَّانِي نَقْصٌ فِي بَدَنِهِ .فَأَمَّا الْجَرْحُ فِي عَدَالَتِهِ وَهُوَ الْفِسْقُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَا تَابَعَ فِيهِ الشَّهْوَةَ .وَالثَّانِي مَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِشُبْهَةٍ ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَمُتَعَلِّقٌ بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَهُوَ ارْتِكَابُهُ لِلْمَحْظُورَاتِ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْمُنْكَرَاتِ تَحْكِيمًا لِلشَّهْوَةِ وَانْقِيَادًا لِلْهَوَى ، فَهَذَا فِسْقٌ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَمِنْ اسْتِدَامَتِهَا ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مَنْ انْعَقَدَتْ إمَامَتُهُ خَرَجَ مِنْهَا ، فَلَوْ عَادَ إلَى الْعَدَالَةِ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِمَامَةِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ .وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ : يَعُودُ إلَى الْإِمَامَةِ بِعَوْدِهِ إلَى الْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهُ عَقْدٌ وَلَا بَيْعَةٌ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ فِي اسْتِئْنَافِ بَيْعَتِهِ وَأَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا فَمُتَعَلِّقٌ بِالِاعْتِقَادِ الْمُتَأَوِّلِ بِشُبْهَةٍ تَعْتَرِضُ فَيَتَأَوَّلُ لَهَا خِلَافَ الْحَقِّ ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا .فَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَمِنْ اسْتِدَامَتِهَا وَيَخْرُجُ بِحُدُوثِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُ الْكُفْرِ بِتَأْوِيلٍ وَغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حَالُ الْفِسْقِ بِتَأْوِيلٍ وَغَيْرِ تَأْوِيلٍ .وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْبَصْرَةِ : إنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَلَا يُخْرَجُ بِهِ مِنْهَا كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَجَوَازِ الشَّهَادَةِ .وَأَمَّا مَا طَرَأَ عَلَى بَدَنِهِ مِنْ نَقْصٍ فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا نَقْصُ الْحَوَاسِّ ، وَالثَّانِي نَقْصُ الْأَعْضَاءِ ، وَالثَّالِثُ نَقْصُ التَّصَرُّفِ .فَأَمَّا نَقْصُ الْحَوَاسِّ فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يَمْنَعُ مِنْ الْإِمَامَةِ ، وَقِسْمٌ لَا يَمْنَعُ مِنْهَا ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .فَأَمَّا الْقِسْمُ الْمَانِعُ مِنْهَا فَشَيْئَانِ :أَحَدُهُمَا زَوَالُ الْعَقْلِ ، وَالثَّانِي ذَهَابُ الْبَصَرِ ، فَأَمَّا زَوَالُ الْعَقْلِ فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا كَانَ عَارِضًا مَرْجُوَّ الزَّوَالِ كَالْإِغْمَاءِ فَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَلَا يُخْرِجُ مِنْهَا ، لِأَنَّهُ مَرَضٌ قَلِيلُ اللُّبْسِ سَرِيعُ الزَّوَالِ ، وَقَدْ * ( أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ ) * .وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا كَانَ لَازِمًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْجُنُونِ وَالْخَبَلِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا دَائِمًا لَا يَتَخَلَّلُهُ إفَاقَةٌ فَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ وَاسْتِدَامَتِهَا ، فَإِذَا طَرَأَ هَذَا بَطَلَتْ بِهِ الْإِمَامَةُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ وَالْقَطْعِ بِهِ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَتَخَلَّلَهُ إفَاقَةٌ يَعُودُ