بِإِيجَابِهَا وَأَفْتَاهُ الْآخَرُ بِإِسْقَاطِهَا أَوْ أَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِقَدْرٍ وَأَفْتَاهُ الْآخَرُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَعْمَلُ بِهِ مِنْهُمَا ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ بِأَغْلَظِ الْقَوْلَيْنِ حُكْمًا وَقَالَ آخَرُونَ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا .فَلَوْ حَضَرَ الْعَامِلُ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ أَوْ اجْتِهَادِ مَنْ اسْتَفْتَاهُ وَكَانَ اجْتِهَادُ الْعَامِلِ مُؤَدِّيًا إلَى إيجَابِ مَا أَسْقَطَهُ أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ كَانَ اجْتِهَادُ الْعَامِلِ أَمْضَى إنْ كَانَ وَقْتُ الْإِمْكَانِ بَاقِيًا ، وَاجْتِهَادُ رَبِّ الْمَالِ أَنْفَذَ إنْ كَانَ وَقْتُ الْإِمْكَانِ فَائِتًا ، وَلَوْ أَخَذَ الْعَامِلُ الزَّكَاةَ بِاجْتِهَادِهِ وَعَمِلَ فِي وُجُوبِهَا وَأَسْقَطَهَا عَلَى رَأْيِهِ وَأَدَّى اجْتِهَادُ رَبِّ الْمَالِ إلَى إيجَابِ مَا أَسْقَطَهُ أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَخَذَهُ لَزِمَ رَبُّ الْمَالِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إخْرَاجُ مَا أَسْقَطَهُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ تَرَكَهُ مِنْ زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ لِأَهْلِ السَّهْمَانِ . وَالْمَالُ الثَّانِي مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ ثِمَارُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ فَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ الزَّكَاةَ فِي جَمِيعِهَا ، وَأَوْجَبَهَا الشَّافِعِيُّ فِي ثِمَارِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ خَاصَّةً ، وَلَمْ يُوجِبْ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ جَمِيعِ الْفَوَاكِهِ وَالثِّمَارِ زَكَاةً .وَزَكَاتُهَا تَجِبُ بِشَرْطَيْنِ : أَحَدُهُمَا بُدُوُّ صَلَاحِهَا وَاسْتِطَابَةُ أَكْلِهَا وَلَيْسَ عَلَى مَنْ قَطَعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ زَكَاةٌ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ ، وَلَا يُكْرَهُ إنْ فَعَلَهُ لِحَاجَةٍ وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ خَرْصِ الثِّمَارِ عَلَى أَهْلِهَا ؛ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ تَقْدِيرًا لِلزَّكَاةِ وَاسْتِظْهَارًا لِأَهْلِ السَّهْمَانِ ؛ فَقَدْ * ( وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَرْصِ الثِّمَارِ عُمَّالًا وَقَالَ لَهُمْ :خَفِّفُوا الْخَرْصَ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْوَصِيَّةَ وَالْعَرِيَّةَ وَالْوَاطِئَةَ وَالنَّائِبَةَ ) * .فَالْوَصِيَّةُ مَا يُوصِي بِهَا أَرْبَابُهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ وَالْعَرِيَّةُ مَا يُعْرَى لِلصِّلَاتِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ ، وَالْوَاطِئَةُ مَا تَأْكُلُهُ السَّابِلَةُ مِنْهُمْ ، وَسَمُّوهَا وَاطِئَةً لِوَطْئِهِمْ الْأَرْضَ ، وَالنَّائِبَةُ مَا يَنُوبُ الثِّمَارَ مِنْ الْجَوَائِحِ .فَأَمَّا ثِمَارُ الْبَصْرَةِ فَيُخْرَصُ كُرُومُهَا وَهُمْ فِي خَرْصِهَا كَغَيْرِهِمْ ، وَلَا يُخْرَصُ عَلَيْهِمْ نَخْلُهَا لِكَثْرَتِهِ وَلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ فِي خَرْصِهِ ، فَإِنَّهُمْ يُبِيحُونَ فِي التَّعَاوُنِ أَكْلَ الْمَارَّةِ مِنْهَا ، وَإِنَّمَا مَا قَدَّرَ لَهُمْ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ ثَنَايَاهَا فِي يَوْمَيْ الْجُمُعَةِ وَالثُّلَاثَاءِ يُصْرَفُ مُعْظَمُهُ