بِوَادِي عَرَفَةَ يَخْطُبُ بِهِمْ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ قَبْلَ الصَّلَاةِ كَالْجُمُعَةِ ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْخُطَبِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَتَيْنِ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَةُ عَرَفَةَ ، فَإِذَا خَطَبَهَا ذَكَّرَ النَّاسَ فِيهَا مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ بَعْدَ الْخُطْبَةِ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ، وَيَقْصُرُهُمَا الْمُسَافِرُونَ وَيُتِمُّهَا الْمُقِيمُونَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمْعِهِ وَقَصْرِهِ ، ثُمَّ يَسِيرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ الْمَوْقِفُ الْمَفْرُوضُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : * ( الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ أَدْرَكَ الْحَجَّ ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ ) * .وَحَدُّ عَرَفَةَ مَا جَاوَزَ وَادِي عَرَفَةَ الَّذِي فِيهِ الْمَسْجِدُ ، وَلَيْسَ الْمَسْجِدُ وَلَا وَادِي عَرَفَةَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ عَلَى عَرَفَةَ كُلِّهَا فَيَقِفُ مِنْهَا عِنْدَ الْجِبَالِ الثَّلَاثَةِ النَّتْعَةُ وَالنُّتَيْعَةُ وَالتَّائِبُ ، فَقَدْ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضِرْسٍ مِنْ التَّائِبِ وَجَعَلَ رَاحِلَتَهُ إلَى الْمِحْرَابِ ، فَهَذَا أَحَبُّ الْمَوَاقِفِ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ فِيهِ ، وَأَيْنَمَا وَقَفَ مِنْ عَرَفَةَ وَالنَّاسُ أَجْزَأَهُمْ ، وَوُقُوفُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ أَوْلَى ، ثُمَّ يَسِيرُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى مُزْدَلِفَةَ مُؤَخِّرًا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِمُزْدَلِفَةَ ، وَيَؤُمُّ النَّاسَ فِيهِمَا وَيَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَحَدُّهَا مِنْ حَيْثُ يَفِيضُ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَلَيْسَ الْمَأْزِمَانِ مِنْهَا إلَى أَنْ يَأْتِيَ إلَى قَرْنِ مُحَسِّرٍ وَلَيْسَ الْقَرْنُ مِنْهَا ، وَيَلْتَقِطُ النَّاسُ مِنْهَا حَصَى الْجِمَارِ بِقَدْرِ الْأَنَامِلِ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ وَيَسِيرُ مِنْهَا بَعْدَ الْفَجْرِ ، وَلَوْ سَارَ قَبْلَهُ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَ وَلَيْسَ الْمَبِيتُ بِهَا رُكْنًا ، وَيَجْبُرُهُ دَمٌ إنْ تَرَكَهُ وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ الْأَرْكَانِ الْوَاجِبَةِ ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَيَقِفُ مِنْهُ بِقُزَحَ دَاعِيًا ، وَلَيْسَ الْوُقُوفُ بِهِ فَرْضًا ، ثُمَّ يَسِيرُ إلَى مِنًى فَيَبْدَأُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ تِسْعَ حَصَيَاتٍ ثُمَّ يَنْحَرُ : وَمَنْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا مِنْ الْحَجِيجِ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ يَفْعَلُ مِنْهُمَا مَا شَاءَ ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِهَا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ ، وَيَسْعَى بَعْدَ طَوَافِهِ إنْ لَمْ يَسْعَ قَبْلَ عَرَفَةَ ، وَيُجْزِئُهُ سَعْيُهُ قَبْلَ عَرَفَةَ وَلَا يُجْزِئُهُ طَوَافُهُ قَبْلَهَا ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا وَهِيَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ الْأَرْبَعِ ، وَيَذْكُرُ لِلنَّاسِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ وَحُكْمِ إحْلَالِهِمْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَمَا يَسْتَبِيحُونَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ، إنْ كَانَ فَقِيهًا قَالَ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلسُّؤَالِ ، وَيَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَتَهُ وَيَرْمِي مِنْ غَدِهِ - وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ يَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ - الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بِإِحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةٍ ، كُلُّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ وَيَبِيتُ بِهَا لَيْلَتَهُ الثَّانِيَةَ وَيَرْمِي مِنْ غَدِهَا