responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام الجنائز نویسنده : محمد ناصر الألباني    جلد : 1  صفحه : 140


" أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا ، فزجر البني صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه ، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " أخرجه مسلم وغيره وقد سبق في المسألة ( 35 ص 56 ) والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا ، وهو مذهب أحمد رحمه الله في رواية عنه ذكرها في " الانصاف " ( 2 / 547 ) قال :
" لا يفعله إلا لضرورة ، وفي أخرى عنه : يكره " .
قلت : والأول أقرب لظاهر قوله " زجر " فإنه أبلغ في النهي من لفظ " نهى " الذي يمكن حمله على الكراهة ، على أن الأصل فيه التحريم ، ولا صارف له إلى الكراهة . [1]



[1] لكن يشكل على ما ذكرنا قوله في الحديث " حتى يصلى عليه " . فإنه يدل بظاهره أيضا على جواز الدفن ليلا بعد الصلاة لأنها هي الغاية من النهي ، فإذا حصلت ارتفع النهي ، لكن يرد عليه قوله " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " فإن اسم الإشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الفدن ليلا قبل الصلاة إلا عند الضرورة فيجوز . وهذا بعيد جدا ، لان من السهل أن نتصور اضطرار المشيعين للدفن ليلا لأسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلوا عليه ، ومما يزيده بعدا أن هذا المعنى يجعل قيد " الليل " عديم الفائدة ، إذ الدفن قبل الصلاة ، كما لا يجوز ليلا ، فكذلك لا يجوز نهارا ، فإن جاز ليلا لضرورة جاز نهارا من أجلها ولا فرق ، فما فائدة التقييد ب‌ " الليل " حينئذ . لا شك أن الفائد لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أو لا من عدم جواز الدفن ليلا وبيان ذلك : أن الدفن ليلا وبيان ذلك : أن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت ، فنهي عن الدفن ليلا حتى يصلي عليه نهارا ، لان الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه ، وبذلك تحصل الكثرة من المصلين عليه ، هذه الكثرة التي هي من مقاصد الشريعة وأرجى لقبول شفاعتهم في الميت كما سبق بيانه في " المسألة ( 63 ) ، ( ص 96 ) قال النووي : في " شرح مسلم " : " وأما النهي عن القبر ليلا حتى يصلى عليه ، فقيل سببه أن الدفن نهارا يحضره كثير من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد ، وقيل لأنهم كانوا يفعلون ذلك لرداءة الكفن ، فلا يتبين في الليل ، ويؤيده أول الحديث وآخره ، قال القاضي : العلتان صحيحتان ، قال : والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معا ، قال : وقد قيل غير هذا " . قلت : فإذا عرف أن العلة قلة المصلين وخشية رداءة الكفن ، ينتج من ذلك أنه لو صلي عليه نهارا ، ثم تأخر دفنه لعذر إلى الليل أنه لا مانع من دفنه فيه لانتفاء العلة وتحقق الغاية وهي كثرة المصلين ، وعليه فهل يجوز التأخر بدفن الميت في النهار تحصيلا للغاية المذكورة ، استحسن ذلك الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 / 166 ) ، ولست أرى ذلك لان العلة المذكورة مقيدة فلا يجوز تعديتها إلى النهار لوجود الفارق الكبير بين الظرفين ، فإن القلة في الليل أمر طبيعي ، بخلاف النهار فالكثرة فيه هي الطبيعي ، ثم إن هذه الكثرة لا حد لها فكلما تؤخر بالميت زادت الكثرة ، ولذلك نرى بعض المترفين الذين يحبون الظهور رياء وسمة ، ولو على حساب الميت قد يؤخرونه اليوم واليومين ليحضر الجنازة أكبر عدد ممكن من المشيعين . فلو قيل بجواز ذلك لأدى إلى مناهضة الشارع في أمره بالاسراع بالجنازة على ما سبق بيانه في المسألة ( 17 ) ( ص 13 ) بعلة الكثرة التي لا ضابط لها . بعد هذا يتبين لنا الجواب عن الاشكال الذي أو ردته في قوله " حتى يصلى عليه " إذ أنه ظهر أن المراد حتى يصلى عليها نهارا لكثرة الجماعة ، كي تبين أن اسم الإشارة في قوله " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " يعود إلى الدفن ليلا ولو مع قلة المصلين ، لا إلى الدفن مع ترك الصلاة عليه إطلاقا ، فليتأمل فإنه حقيق بالتأمل . ثم قال النووي في " شرح مسلم " : " وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل ، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة ، وهذا الحديث مما يستدل له به ، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف : لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار ، وبحديث المرأة السوداء : والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلا ، وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا : توفي ليلا فدفناه في الليل ، فقال : ألا آذنتموني ، قالوا : كانت ظلمة ولم ينكر عليهم ، وأجابوا عند هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة ، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل ، وإنما لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق " . قلت : والجواب الأول وهو أن النهي كان لترك الصلاة ، لا يصح ، لأنه لو كان كذلك لم يكن ثمة فرق بين الدفن ليلا أو نهارا كما سبق بيانه ، بل الصواب أن النهي إنما كان للامرين اللذين سبقا في كلام القاضي ، ولذلك اختار ابن حزم أنه لا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة . واستدل على ذلك بهذا الحديث ، ثم أجاب عن الأحاديث الواردة في الدفن ليلا ، وما في معناها من الآثار بقوله ( 5 / 114 - 115 ) : وكل من دفن ليلا منه صلى الله عليه وسلم ومن أزواجه ومن أصحابه رضي الله عنهم ، فإنما ذلك لضرورة أو جبت ذلك من خوف الحر على من حضر - وهو بالمدينة شديد - أو خوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلا ، ولا يحل لاحد أن يظن بهم رضي الله عنهم خلاف ذلك " . ثم روى كراهة الدفن ليلا عن سعيد بن المسيب ، وأقول : ومن الجائز أن بعض من دفن ليلا كانوا صلوا عليه نهارا ، وحينئذ فلا تعارض على ما سبق بيانه ، وذلك هو الواقع في حقه صلى الله عليه وسلم ، فإنهم صلوا عليه يوم الثلاثاء ثم دفنوه ليلة الأربعاء كما ذكر ابن هشام في سيرته ( 4 / 314 ) عن ابن إسحاق . والله أعلم .

140

نام کتاب : أحكام الجنائز نویسنده : محمد ناصر الألباني    جلد : 1  صفحه : 140
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست