عُمْدَتَهُمْ أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَكُونُ وَاجِباً ، لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ ، وَالْوَاجِبُ لَا يَكُونُ مُرَكَّباً ، هَذَا عُمْدَتُهُمْ .وَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، وَمَا زَالَ النُّظَّارُ يُبَيِّنُونَ فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ كُلٌّ بِحَسَبِهِ ، كَمَا بَيَّنَ الْغَزَالِيُّ فَسَادَهُ بِحَسَبِهِ .وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْوَاجِبِ صَارَ فِيهِ اشْتِرَاكٌ بَيْنَ عِدَّةِ مَعَانٍ : فَيُقَالُ لِلْمَوْجُودِ بِنَفَسِهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ فَتَكُونُ الذَّاتُ وَاجِبَةً وَالصِّفَاتُ وَاجِبَةً ، وَيُقَالُ لِلْمَوْجُودِ بِنَفْسِهِ وَالْقَائِمِ بِنَفْسِهِ ، فَتَكُونُ الذَّاتُ وَاجِبَةً دُونَ الصِّفَاتِ ، وَيُقَالُ لِمُبْدِعِ الْمُمْكِنَاتِ ، وَهِيَ الْمَخْلُوقَاتُ ، وَالْمُبْدِعُ لَهَا هُوَ الْخَالِقُ ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ هُوَ الذَّاتَ الْمُتَّصِفَةَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ ، وَالذَّاتُ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الصِّفَاتِ لَمْ تُخْلَقْ ، وَالصِّفَاتُ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الذَّاتِ لَمْ تُخْلَقْ ، وَلِهَذَا صَارَ مَنْ سَارَ خَلْفَهُمْ مِمَّنْ يَدَّعِي التَّحْقِيقَ وَالْعِرْفَانَ ، إلَى أَنْ جَعَلَ الْوَاجِبَ هُوَ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ كَمَا قَدْ بُسِطَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ .وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامُ أَوَّلاً : فِي أَنَّ سَعَادَةَ الْعَبْدِ فِي كَمَالِ افْتِقَارِهِ إلَى رَبِّهِ وَاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ ، أَيْ فِي أَنْ يَشْهَدَ ذَلِكَ وَيَعْرِفَهُ ، وَيَتَّصِفَ مَعَهُ بِمُوجَبِ ذَلِكَ مِن الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ ، وَإِلَّا فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ مُحْتَاجُونَ ، لَكِنْ يَظُنُّ أَحَدُهُمْ نَوْعَ اسْتِغْنَاءٍ فَيَطْغَى .كَمَا قَالَ تَعَالَى : { كَلَّا إنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى } { أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى } وَقَالَ : { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { كَانَ يَئُوساً }