فَإِذَا اسْتَشْعَرَ قُدْرَتَهُ عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ اسْتَعَانَهُ ؛ وَإِلَّا فَلَا ؛ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ فَقَدْ يَكُونُ مَحْبُوباً غَيْرَ مُسْتَعَانٍ ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَعَاناً غَيْرَ مَحْبُوبٍ ؛ وَقَدْ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَمْرَانِ .فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا بُدَّ لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ مِنْ مُنْتَهًى يَطْلُبُهُ هُوَ إلَهُهُ ، وَمُنْتَهَى يُطْلَبُ مِنْهُ هُوَ مُسْتَعَانُهُ ؛ - وَذَلِكَ هُوَ صَمَدُهُ الَّذِي يَصْمُدُ إلَيْهِ فِي اسْتِعَانَتِهِ وَعِبَادَتِهِ - تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } كَلَامٌ جَامِعٌ مُحِيطٌ أَوَّلاً وَآخِراً ، لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ ، فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ أَرْبَعَةً .إمَّا أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ وَيَسْتَعِينَهُ - وَإِنْ كَانَ مُسْلِماً - فَالشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ .وَإِمَّا أَنْ يَعْبُدَهُ وَيَسْتَعِينَ غَيْرَهُ ، مِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ ، يَقْصِدُونَ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعِبَادَتَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ؛ وَتَخْضَعُ قُلُوبُهُمْ لِمَنْ يَسْتَشْعِرُونَ نَصْرَهُمْ ؛ وَرِزْقَهُمْ ، وَهِدَايَتَهُمْ ، مِنْ جِهَتِهِ : مِن المُلُوكِ وَالْأَغْنِيَاءِ وَالْمَشَايِخِ .وَإِمَّا أَنْ يَسْتَعِينَهُ - وَإِنْ عَبَدَ غَيْرَهُ - مِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ ذَوِي الْأَحْوَالِ ؛ وَذَوِي الْقُدْرَةِ وَذَوِي السُّلْطَانِ الْبَاطِنِ أَوْ الظَّاهِرِ ، وَأَهْلِ الْكَشْفِ وَالتَّأْثِيرِ ؛ الَّذِينَ يَسْتَعِينُونَهُ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَيَسْأَلُونَهُ وَيَلْجَئُونَ إلَيْهِ ؛ لَكِنَّ مَقْصُودَهُمْ غَيْرُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ؛ وَغَيْرُ اتِّبَاعِ دِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ .وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : الَّذِينَ لَا يَعْبُدُونَ إلَّا إيَّاهُ ؛ وَلَا يَسْتَعِينُونَ إلَّا بِهِ ؛ وَهَذَا الْقِسْمُ الرُّبَاعِيُّ قَدْ ذُكِرَ فِيمَا بَعْدُ أَيْضاً ؛ لَكِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ بِحَسَبِ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَتَارَةً يَكُونُ بِحَسَبِ الْمُسْتَعَانِ ؛ فَهُنَا هُوَ بِحَسَبِ الْمَعْبُودِ وَالْمُسْتَعَانِ ؛ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْ مَعْبُودٍ مُسْتَعَانٍ ، وَفِيمَا بَعْدُ بِحَسَبِ عِبَادَةِ اللَّهِ وَاسْتِعَانَتِهِ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ .