فظهر من هذا أن من حقر مسلما فقد ضيع حق أخيه المسلم فيجوز هجرانه . ولا يقال إن في ذكر مساوئ المسلمين غيبة وهي منهية بالنص ، لأنا نقول : إن ذكر المساوئ ليس بمنهي على الإطلاق بل هو مقيد بما لم يدع إليه ضرورة مجوزة ، كما قال ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة : قال العلماء : يستثنى من تحريم الغيبة أمور ستة ، التظلم لقوله تعالى " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم " ، والاستعانة على تغيير المنكر ، ورد المعاصي إلى الصواب كأخبار زيد بن أرقم بقول عبد الله بن أبي ، وأخبار ابن مسعود في مغانم حنين ، والاستفتاء كقول هند أن أبا سفيان رجل شحيح ، وتحذير المسلمين من الشر كقوله ( عليه السلام ) " بئس أخو العشيرة " ، وكجرح المجروحين من الرواة والشهود [1] . وكذا بعينه في شرح مسلم للنووي : وزادوا : منها جرح المجروحين من الرواة ، والشهود ، والمصنفين وذلك جائز بالإجماع بل واجب صونا للشريعة . ومنها : أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته ، أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به على حاله فلا يغتربه . الخامس : أن يكون مجاهرا لفسقه ، أو بدعه ، ومصادرة أموال الناس ، وتولي الأمور الباطلة ، فيجوز ذكره بما يجاهر به ، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر [2] . وكذا ذكره السيد الصديق في هداية السائل [3] . وفي تفسير ابن كثير تحت قوله تعالى " الجهر بالسوء " وقد روى الجماعة سوى النسائي ، والترمذي عن عقبة بن عامر مرفوعا " إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا منهم ، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " . وأخرجه عبد الرزاق بإسناده عن مجاهد ، قال : ضاف رجل رجلا فلم يؤد إليه حق الضيافة ، فلما خرج أخبر الناس فقال : ضفت ( فلانا ) فلم يؤد إلي حق ضيافتي [4] . وكذا في الدر للسيوطي وزاد : أخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وذكر السيوطي في لباب النقول " سبب نزول الآية في رجل أضاف رجلا بالمدينة فأساء قرآه " [5] . في كنز العمال ( باب رخص الغيبة ) : ثلاثة لا تحرم عليك أعراضهم ، المجاهر في الفسق ، والإمام الجائر ، والمبتدع ، ( رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن الحسن ) . " أترعون عن ذكر الفاجر أن تذكروه ، فاذكروه ليعرفه الناس " رواه الخطيب عن أبي هريرة ، وابن أبي الدنيا ، والحكيم في نوادر الأصول ، والحاكم في الكنى ، والشيرازي في الألقاب ، وابن عدي ، والطبراني ، والخطيب عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بلفظ " فاذكروا الفاجر لما فيه يحذر الناس وليس للفاسق غيبة " ، رواه الطبراني عن معاوية .
[1] حجة الله البالغة ، ص 383 . [2] شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 2 ، ص 322 . [3] هداية السائل ، ص 232 . [4] تفسير ابن كثير ، ج 3 ، ص 222 . [5] الدر المنثور ، للسيوطي ، ج 2 ، ص 237 ، ولباب النقول ، ص 102 .