علماء المذهب من لم يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد . قلنا تحاميا عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار ( الروافض ) على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم ، فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية طريقا إلى الاقتصاد في الاعتقاد بحيث لا تزل الأقدام على السواء ، ولا تضل الأفهام بالأهواء ، وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق ، وكيف لا يقع عليهما الاتفاق ، وهذا السر فيما نقل عن السلف في مجانبة أهل الضلال ، وسد طريق لا يؤمن أن يجر إلى الغواية في المآل ، مع علمهم بحقيقة الحال ، وجلية المقال [1] . وجه الاستدلال أما الاستدلال بهذه النصوص المذكورة على ثبوت خلافة علي ( ع ) فلا حاجة لنا إلى تفصيله لأنه ظاهر بعبارة النص في مقام ، وبإشارته أو باقتضائه أو بدلالته في مقام آخر . وأما الحديث " من كنت " فهو متواتر كما بين ، لكن ( أهل الجماعة ) - كما هي عادتهم - أولوه بتأويلات ركيكة ، وحرفوه عن مواضعه ، وبدلوه عن معناه المقصود فنبين طريق الاستدلال منه ، ونسكت عما سواه . فالمعنى المقصود منه ( من كنت ) متولي أمره ، وسيده المطاع له ، وحاكمه ، والأولى بالأمر له من نفسه ، ومتصرف أمره ، وناصره في الدين ، ومحبه واجب المحبة ( فعلي ) كذلك مثلي في جميع هذه المعاني كما في آية المباهلة ، والحديث المذكور في الخصائص للنسائي وغيره في حديث خاصف النعل " لأبعثن عليكم رجلا كنفسي " وعنى به عليا " وأنت مني وأنا منك " ، " وأن عليا مني وأنا منه " ، " وأنا وعلي من نور واحد " ، " ومن سب عليا ، فقد سبني " ، " ولحمه من لحمي ودمه من دمي " ، " ومن أطاعك أطاعني ، ومن عصاك فقد عصاني " ، " وأنت مني بمنزلة هارون من موسى " ، وغيرها ، وبعض الآيات يفسر بعضها . وهكذا حكم الأحاديث فقوله تعالى : " إنما وليكم الله ورسوله " ، وقوله تعالى " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ، وسائر الآيات التي ذكرناها في نصوص الخلافة تفسر بعضها بعضا ، ويفيد المعنى المذكور ، وتفسر هذه الآيات الأحاديث التي ذكرناها في النصوص بمزيد توضيح والأحاديث تفسر بعضها بعضا . وصدر الخطبة يوم ( الغدير ) بقوله عليه السلام : " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ، قالوا بلى " أدل دليل ، وأوضح تفصيل لقوله تعالى : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ، وإن آخر الحديث ( فعلي مولاه ) يطابق في المعنى بأوله كما هو دأب الفصاحة ، وبخلافة يلزم انتشار المعنى في كلام واحد ، وهو يخالف سرد الكلام ، ولا يليق بشأن النبي ( ص ) . وأما الدعاء في آخر الحديث ( اللهم وآل من والاه ) فإنه إشارة إلى أن الإطاعة في هذا الحكم توجب رضا الله ورسوله ، والعصيان فيه يوجب سخط الله ورسوله ، كيف لا ، وقد قال عز اسمه " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك " ، " ومن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " .
[1] نقل مترجم الكتاب أمير الدين في تعليقه على الكتاب حاشيته للحافظ الشيرازي ( باللغة الأوردية ) ، وما نقل عن شرح المقاصد في ( المتن ) هو جزء من الحاشية التي أوردها المترجم ( باللغة العربية ) . يراجع بهذا الصدد التفتازاني ، ج 2 ، ص 306 .