قاس إبليس . ومذهب بعضهم الكل كما لا يخفى على من أحاط ببعض خصائص أحوالهم [1] . وقال في مقام آخر : ومن يحمل جواز الجمع في الحضر على أدنى حاجة واتخذه مذهبا من غير عذر رأسا ، الإمام الحق الصديق الصادق ( عليه السلام ) ، ومذهب واحد منهم مذهب باقيهم كما قال أبوه محمد الباقر ( ع ) ، على ما نقله ابن الهمام في فتح القدير ( شرح الهداية ) لما سئل في مسألة هل يوافقه فيه علي بن أبي طالب ، قال : لا يصدر عن أهل بيته إلا عن رأيه [2] . ولا شك أن قيام الدين ، وعزة أمره قام بأهل البيت ، وهو مراد النبي ( ص ) ، كما يدل عليه قوله ( عليه السلام ) : " لا يزال الدين قائما " . ولم يقل لا تزال الدنيا ، أو السلطنة ، أو السياسة ، أو انتظام المملكة ، وما قام مقام هذا ، ولعل أهل الجماعة توهموا منه هذا بحيث شرطوا اجتماع الناس عليه ، وإن كان ممن لا خلاق له في الدين كما لا يخفى من حال يزيد ، والوليد ، وغيرهما . وبما قلنا اندفع التعارض الناشئ بين الحديث المذكور ، وبين الحديث المشهور على ألسنتهم إن صح : " الخلافة ثلاثون سنة " الحديث ، ( رواه أحمد ، والترمذي وحسنه ، ورواه الحاكم ، وأبو داود ، عن سفينة مرفوعا ) ، كذا ذكره في المشكاة [3] : بأن يراد منه الخلافة النبوية المتصلة بعد النبي لعلي ، ثم لذريته الطاهرة بوصية من سلف لمن خلف متصلا إلى القائم المنتظر ( عجل الله فرجه ورزقنا شفاعته ) . واعترف النووي بتعارض الحديثين ناقلا عن القاضي عياض : قد جاء في الحديث الآخر " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا " ، وهذا مخالف لحديث اثني عشر خليفة فإنه لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة ، والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي ، ( إنتهى ما في شرح مسلم ) [4] . فإن انحصرت الخلافة الحقة في ثلاثين سنة يلزم بطلان خلافة ما وراء ( الأربعة ) ، ولم يستقم معنى قيام الدين باثني عشر إلى قيام الساعة . وإن أريدت الخلافة المطلقة فيزيدون على اثني عشر ( كما لا يخفى على من له بصيرة ) ، وهذا من إفادات تاج الأذكياء ، رئيس الفضلاء ، علامة الدهر ، فهامة العصر ، مؤيد الشرع القويم ، محيي الصراط المستقيم العلامة الشيخ عبد العلي الهروي الطهراني ( قدس سره ) . ويؤيد ما قلنا في توفيق الحديثين حديث حذيفة الذي ( رواه الشيخان ) قال : كان الناس يسألون رسول الله ( ص ) عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني قال : قلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال نعم وفيه دخن ( في المرقاة دخن أي كدورة إلى سواد ، والمراد أن لا يكون خيرا صفوا بحتا بل يكون مشوبا بكدرة وظلمة ) قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منه وتنكر . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم . ( الحديث ) ،
[1] دراسات اللبيب ، ص 32 . [2] أيضا ، ص 349 ، والإصلاح ، ج 4 ، ص 605 . [3] المشكاة ، ج 2 ، ص 455 . [4] شرح مسلم ، ج 2 ، ص 119 .