ناسخ أو منسوخ إلا وأنه موقوف على التاريخ ، والنسخ من أعاظم مسائل أمور الدين . وأما رد التواريخ لكون الاختلاف فيها فمردود لكونه في التفاسير ، والأحاديث ، والفقه ، وغيرها . فالإنكار من التاريخ إنكار التجاهل ، وأما أهل الجماعة فمنهم من سعى في إخفاء التواريخ لئلا يظهر حالات أئمتهم وأمرائهم ، ( كما قال ابن حجر المكي في ترويج الجنان على هامش الصواعق ) : كابن قتيبة مع جلالته القاضية بأن كان ينبغي أن لا يذكر الظواهر فإن أبي إلا ذكرها فليبين جريانها على قواعد أهل السنة حتى لا يتمسك مبتدع أو جاهل [1] . في التاريخ الكامل : ولقد رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة ، والدراية ويظن بنفسه التبحر في العلم والرواية ، ويحتقر التواريخ ، ويزدريها ويعرض عنها ويلغيها ظنا منه أن غاية فائدتها القصص والأخبار ، ونهاية معرفتها الأحاديث ، والأسمار . وهذا حال من اقتصر على القشر دون اللب نظره ، وأصبح مخشلبا جوهره ، ومن رزقه الله طبعا سليما ، وهداه صراطا مستقيما علم أن فوائدها كثيرة ، ومنافعها الدنيوية والأخروية جمة غزيرة [2] . في توثيق كتب التواريخ والمناقب والحديث والآن نذكر توثيق بعض كتب التواريخ التي أخذنا منها في ( كتابنا ) هذا . فأما تاريخ ابن خلكان ، وابن خلدون فلا حاجة لنا إلى توثيقهما لأنه ما من معتمد من علماء أهل الجماعة من المتقدمين والمتأخرين ، إلا وقد أخذ منهما ، واعتمد عليهما . وأما ( تاريخ ابن جرير الطبري ) ، فقد مر شئ من حاله ، وقال ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ) في حقه : وكان ثقة في نقله ، وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها ، وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء من المجتهدين ، ( كذا في عبقات الأنوار ) [3] تحت حديث المدينة . وفيه ، ناقلا عن السيد الصديق في التاج المكلل : وتأريخه أصح التواريخ ، وأثبتها [4] . وقال ابن الأثير الجزري في التاريخ الكامل : فابتدأت بالتأريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري إذ هو الكتاب المعول عند ( الكافة ) عليه ، والمرجوع عند الاختلاف إليه ، فأخذت ما فيه من جميع تراجمه لم أخل بترجمة واحدة منها ( إلى أن قال ) : وإنما اعتمدت عليه من بين المؤرخين إذ هو الإمام المتقن حقا الجامع علما وصحة اعتقادا وصدقا [5] . وفي الطبقات الكبرى للإمام السبكي ناقلا عن الخطيب قال : ابن جرير أحد الأئمة يحكم يقوله ، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله ، جمع من العلوم ما لم يشارك فيه أحد من أهل عصره .
[1] الصواعق ، ص 93 . [2] الكامل في التاريخ ، ج 1 ، ص 4 . [3] عبقات الأنوار ، ج 1 ، ص 86 . [4] أيضا ، ص 89 . [5] ابن الأثير ، ج 1 ، ص 3 .