وذكر أصحاب التواريخ ان الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس وكانوا مائلين إلى دين اسلافهم ولم يجسروا على إظهاره خوفا من سيوف المسلمين فوضع الأغمار منهم أساسا من قبلها منهم صار في الباطن إلى تفصيل أديان المجوس وتأولوا آيات القرآن وسنن النبي عليه السلام على موافقة أسسهم وبيان ذلك ان الثنوية زعمت ان النور والظلمة صانعان قديمان والنور منهما فاعل الخيرات والمنافع والظلام فاعل الشرور والمضار وان الأجسام ممتزجة من النور والظلمة وكل واحد منهما مشتمل على أربع طبائع وهى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والأصلان الأولان مع الطبائع الأربع مدبرات هذا العالم وشاركهم المجوس في اعتقاد صانعين غير أنهم زعموا ان أحد الصانعين قديم وهو الإله الفاعل للخيرات والآخر شيطان محدث فاعل للشرور وذكر زعماء الباطنية في كتبهم ان الإله خلق النفس فالإله هو الأول والنفس هو الثاني وهما مدبرا هذا العالم وسموهما الأول والثاني وربما سموهما العقل والنفس ثم قالوا انهما يدبران هذا العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأول وقولهم ان الأول والثاني يدبران العالم هو بعينه قول المجوس بإضافة الحوادث صانعين أحدهما قديم والآخر محدث الا أن الباطنية عبرت عن الصانعين بالأول والثاني وعبر المجوس عنهما بيزدان وأهرمن فهذا هو الذي يدور في قلوب الباطنية ووضعوا أساسا يؤدى إليه . ولم يمكنهم إظهار عبادة الثيران فاحتالوا بأن قالوا للمسلمين ينبغي ان تجمر المساجد كلها وأن تكون في كل مسجد مجمرة يوضع عليها الند والعود في كل حال وكانت البرامكة قد زينوا للرشيد أن يتخذ في جوف الكعبة مجمرة يتبخر عليها العود أبدا فعلم الرشيد أنهم أرادوا من ذلك عبادة النار في الكعبة وأن تصير الكعبة بيت نار فكان ذلك أحد أسباب قبض الرشيد على البرامكة . ثم ان الباطنية لما تأولت أصول الدين على الشرك احتالت أيضا لتأويل أحكام الشريعة على وجوه تؤدى إلى رفع الشريعة أو إلى مثل أحكام المجوس والذي يدل