وَالْأَرْضَ بِالْمَاءِ ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَاءُ وَرْدٍ ، وَخَلٌّ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ، لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِفْسَادِهِ ، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ .وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّ الْمَاءَ لَهُ مِنْ اللُّطْفِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ ، فَلَا يَلْحَقُ غَيْرُهُ بِهِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، بَلْ الْخَلُّ ، وَمَاءُ الْوَرْدِ ، وَغَيْرُهُمَا يُزِيلَانِ مَا فِي الْآنِيَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ كَالْمَاءِ ، وَأَبْلَغَ وَالِاسْتِحَالَةُ أَبْلَغُ فِي الْإِزَالَةِ مِنْ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ الْإِزَالَةَ بِالْمَاءِ قَدْ يَبْقَى مَعَهَا لَوْنُ النَّجَاسَةِ فَيُعْفَى عَنْهُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " { يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ } " .وَغَيْرُ الْمَاءِ يُزِيلُ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ وَالرِّيحَ .وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَزُولَ بِالْمَاءِ لِتَنَجُّسِهِ بِالْمُلَاقَاةِ ، لَكِنْ رَخَّصَ فِي الْمَاءِ لِلْحَاجَةِ فَجَعَلَ الْإِزَالَةَ بِالْمَاءِ صُورَةَ اسْتِحْسَانٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا ، وَكِلَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَةٌ ، فَلَيْسَتْ إزَالَتُهَا بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ بِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا .وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَنْجَسُ بِالْمُلَاقَاةِ مَمْنُوعٌ ، وَمَنْ سَلَّمَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَارِدِ وَالْمَوْرُودِ ، وَبَيْنَ الْجَارِي وَالْوَاقِفِ ، وَلَوْ قِيلَ : إنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، فَالصَّوَابُ إنَّمَا خَلَّفَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ إذَا عُرِفَتْ عِلَّتُهُ ، إذْ الِاعْتِبَارُ فِي الْقِيَاسِ بِالْجَامِعِ وَالْفَارِقِ ، وَاعْتِبَارُ طَهَارَةِ الْخَبَثِ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ ضَعِيفٌ ، فَإِنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا ، وَلِهَذَا لَمْ تَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ ، وَاشْتُرِطَ فِيهَا النِّيَّةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَأَمَّا طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَإِنَّهَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ فَمَقْصُودُهَا اجْتِنَابُ الْخَبَثِ ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا فِعْلُ الْعَبْدِ وَلَا قَصْدُهُ ، بَلْ لَوْ زَالَتْ بِالْمَطَرِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ وَغَيْرُهُمْ .وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ : إنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِيهَا النِّيَّةَ فَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ ، مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِأَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ ، وَإِنَّمَا قِيلَ : هَذَا مِنْ ضِيقِ