حَمْلِ قَلِيلِهِ فِي الصَّلَاةِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي كَثِيرِهِ ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا .فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ : عَنْ عَائِشَةَ : " { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ } " .فَهَذَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْفَرْكِ فِي مَنِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغَسْلُ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ فَإِنَّ الطَّاهِرَ لَا يُطَهَّرُ .فَيُقَالُ : هَذَا لَا يُخَالِفُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ لِلرَّطْبِ ، وَالْفَرْكَ لِلْيَابِسِ ، كَمَا جَاءَ مُفَسَّراً فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ ، أَوْ هَذَا أَحْيَاناً وَهَذَا أَحْيَاناً ، وَأَمَّا الْغَسْلُ فَإِنَّ الثَّوْبَ قَدْ يُغْسَلُ مِنْ الْمُخَاطِ ، وَالْبُصَاقِ ، وَالنُّخَامَةِ اسْتِقْذَاراً لَا تَنْجِيساً ؛ وَلِهَذَا قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ : أَمِطْهُ عَنْك وَلَوْ بِإِذْخِرَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ .الدَّلِيلُ الثَّانِي : مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ : بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ ، وَيَحْثُهُ مِنْ ثَوْبِهِ يَابِساً ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ } .وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ ، لَا مِنْ أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَتِهِ لَا يُجَوِّزُونَ مَسْحَ رَطْبِهِ .الدَّلِيلُ الثَّالِثُ : مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَوَّلِينَا ، بِمَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ ، عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ ؟فَقَالَ : إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ ، وَإِنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ } .