الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَنِيِّ الْآدَمِيِّ وَفِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ : أَحَدُهَا : إنَّهُ نَجِسٌ ، كَالْبَوْلِ ، فَيَجِبُ غَسْلُهُ رَطْباً وَيَابِساً مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ .وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَطَائِفَةٍ .وَثَانِيهَا : إنَّهُ نَجِسٌ ، يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِسْحَاقَ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ .ثُمَّ هُنَا أَوْجُهٌ قِيلَ يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ ، وَمَسْحُ رَطْبِهِ مِنْ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ ، وَمَنِيُّ الرَّجُلِ يَتَأَتَّى فَرْكُهُ وَمَسْحُهُ ، بِخِلَافِ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ ، فَإِنَّهُ رَقِيقٌ كَالْمَذْيِ ، وَهَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ .وَقِيلَ : يُجْزِئُ فَرْكُهُ فَقَطْ مِنْهُمَا ، لِذَهَابِهِ بِالْفَرْكِ ، وَبَقَاءِ أَثَرِهِ بِالْمَسْحِ .وَقِيلَ : بَلْ الْجَوَازُ مُخْتَصٌّ بِالْفَرْكِ مِنْ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ .وَثَالِثُهَا : إنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ ، كَالْمُخَاطِ ، وَالْبُصَاقِ ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ، وَهُوَ الَّذِي نَصَرْنَاهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : مَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ ، وَغَيْرُهُ : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَذْهَبُ فَيُصَلِّي فِيهِ } .وَرُوِيَ فِي لَفْظِ الدَّارَقُطْنِيِّ : { كُنْت أَفْرُكُهُ إذَا كَانَ يَابِساً ، وَأَغْسِلُهُ إذَا كَانَ رَطْباً } " .فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ كَالْبَوْلِ نَجِساً يَكُونُ نَجَاسَةً غَلِيظَةً .فَبَقِيَ أَنْ يُقَالَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَجِساً : كَالدَّمِ ، أَوْ طَاهِراً : كَالْبُصَاقِ ، لَكِنَّ الثَّانِيَ أَرْجَحُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ تَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنْ الْأَنْجَاسِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا ، فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ