{ مَنْ تَقَلَّدَ وَتَراً ، أَوْ اسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَجِيعٍ ، فَإِنَّ مُحَمَّداً مِنْهُ بَرِيءٌ } " ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَعْرُ فِي نَفْسِهِ نَجِساً لَمْ يَكُنْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ يُنَجِّسُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْبَعْرِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ ، وَالْبَعْرِ الَّذِي لَا يُسْتَنْجَى بِهِ ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ مَا فَرَّقَتْ السُّنَّةُ بَيْنَهُ .ثُمَّ إنَّ الْبَعْرَ لَوْ كَانَ نَجِساً لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ عَلَفاً لِقَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ جَلَّالَةً ، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَصِيرَ جَلَّالَةً لَجَازَ أَنْ تُعْلَفَ رَجِيعَ الْإِنْسِ ، وَرَجِيعَ الدَّوَابِّ ، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الزَّائِدَ لَهُمْ مَا فَضَلَ عَنْ الْإِنْسِ ، وَلِدَوَابِّهِمْ مَا فَضَلَ عَنْ دَوَابِّ الْإِنْسِ مِنْ الْبَعْرِ ، شَرَطَ فِي طَعَامِهِمْ كُلَّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ .فَلَا بُدَّ أَنْ يُشْرَطَ فِي عَلَفِ دَوَابِّهِمْ نَحْوُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ .وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، لَمَّا أَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ ، فَقَالَ : " { إنَّهَا رِكْسٌ } " .إنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهَا رَوْثَةَ آدَمِيٍّ وَنَحْوِهِ ، عَلَى أَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ رَوْثَةَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ، وَرَوْثَةَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ، فَلَا يَعُمُّ الصِّنْفَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ .مَعَ أَنَّ لَفْظَ : " الرِّكْسِ " لَا يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ ؛ لِأَنَّ الرِّكْسَ : هُوَ الْمَرْكُوسُ أَيْ الْمَرْدُودُ ، وَهُوَ مَعْنَى الرَّجِيعِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالرَّجِيعِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ : إمَّا لِنَجَاسَتِهِ ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ عَلَفَ دَوَابِّ إخْوَانِنَا مِنْ الْجِنِّ .الْوَجْهُ الثَّامِنُ : وَهُوَ الْحَادِيَ عَشَرَ : أَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَلَيْسَتْ نَجِسَةً ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ تَكْثُرُ مُلَابَسَةُ النَّاسِ لَهَا ، وَمُبَاشَرَتُهُمْ لِكَثِيرٍ مِنْهَا ، خُصُوصاً الْأُمَّةَ الَّتِي بُعِثَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَإِنَّ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ غَالِبُ أَمْوَالِهِمْ ، وَلَا يَزَالُونَ يُبَاشِرُونَهَا ، وَيُبَاشِرُونَ أَمَاكِنَهَا فِي مُقَامِهِمْ وَسَفَرِهِمْ ، مَعَ