فَإِنْ قِيلَ : فَفِيهِ السَّلَى ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ دَمٌ .قُلْنَا : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَماً يَسِيراً ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسِيرٌ ، وَالدَّمُ الْيَسِيرُ مَعْفُوٌّ عَنْ حَمْلِهِ فِي الصَّلَاةِ .فَإِنْ قِيلَ : فَالسَّلَى لَحْمٌ مِنْ ذَبِيحَةِ الْمُشْرِكِينَ ، وَذَلِكَ نَجِسٌ ، وَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ .قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ حُرِّمَ حِينَئِذٍ ذَبَائِحُ الْمُشْرِكِينَ ، بَلْ مِنْ الْبَيِّنِ ، أَوْ الْمَقْطُوعِ بِهِ ، أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حُرِّمَتْ حِينَئِذٍ ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنَجِّسُونَ ذَبَائِحَ قَوْمِهِمْ ، وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِبُ إلَّا مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ ، أَمَّا مَا ذَبَحَهُ قَوْمُهُ فِي دُورِهِمْ لَمْ يَكُنْ يَتَجَنَّبُهُ ، وَلَوْ كَانَ تَحْرِيمُ ذَبَائِحِ الْمُشْرِكِينَ قَدْ وَقَعَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ، لَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّفَرِ الْقَلِيلِ ، الَّذِينَ أَسْلَمُوا مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ ، فَإِنَّ عَامَّةَ أَهْلِ الْبَلَدِ مُشْرِكُونَ ، وَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا ، إلَّا مِنْ طَعَامِهِمْ وَخُبْزِهِمْ ، وَفِي أَوَانِيهِمْ لِقِلَّتِهِ وَضَعْفِهِمْ وَفَقْرِهِمْ .ثُمَّ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ ، فَمَنْ ادَّعَاهُ احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ .الدَّلِيلُ السَّابِعُ : وَهُوَ الْعَاشِرُ : مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِالْعَظْمِ وَالْبَعْرِ وَقَالَ : { إنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ } " .وَفِي لَفْظٍ : قَالَ : " { فَسَأَلُونِي الطَّعَامَ لَهُمْ وَلِدَوَابِّهِمْ ، فَقُلْت : لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، أَوْفَرُ مَا يَكُونُ لَحْماً ، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ } .فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْعَظْمِ وَالْبَعْرِ ، الَّذِي هُوَ زَادُ إخْوَانِنَا مِنْ الْجِنِّ ، وَعَلَفُ دَوَابِّهِمْ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا نُنَجِّسَهُ عَلَيْهِمْ ، وَلِهَذَا اسْتَنْبَطَ الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِزَادِ الْإِنْسِ .ثُمَّ إنَّهُ قَدْ اسْتَفَاضَ النَّهْيُ فِي ذَلِكَ وَالتَّغْلِيظَ حَتَّى قَالَ :