الْبَيِّنَةِ ، قَدْ أَنْكَرَهُ فِي الثِّيَابِ طَائِفَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَغَيْرُهُمْ .فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُهُ أُولَئِكَ ؟وَثَالِثُهَا : أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُسْتَفِيضاً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْلَمَهُ أُولَئِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ حَدِيثُو الْعَهْدِ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَالْكُفْرِ ؛ فَقَدْ كَانُوا يَجْهَلُونَ أَصْنَافَ الصَّلَوَاتِ ، وَأَعْدَادَهَا ، وَأَوْقَاتِهَا ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا مِنْ الشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ ، فَجَهْلُهُمْ بِشَرْطٍ خَفِيٍّ فِي أَمْرٍ خَفِيٍّ أَوْلَى وَأَحْرَى ، لَا سِيَّمَا ، وَالْقَوْمُ لَمْ يَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ أَدْنَى تَفَقُّهٍ ، وَلِذَلِكَ ارْتَدُّوا ، وَلَمْ يُخَالِطُوا أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ ، بَلْ حِينَ أَسْلَمُوا وَأَصَابَهُمْ الِاسْتِيخَامُ أَمَرَهُمْ بِالْبَدَاوَةِ .فَيَا لَيْتَ شِعْرِي ، مِنْ أَيْنَ لَهُمْ الْعِلْمُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْخَفِيِّ ؟وَرَابِعُهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِي تَعْلِيمِهِ وَإِرْشَادِهِ وَاكِلاً لِلتَّعْلِيمِ إلَى غَيْرِهِ ، بَلْ يُبَيِّنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ لِمَنْ أَحْسَنَ الْمَعْرِفَةَ بِالسُّنَنِ الْمَاضِيَةِ .وَخَامِسُهَا : أَنَّهُ لَيْسَ الْعِلْمُ بِنَجَاسَةِ هَذِهِ الْأَرْوَاثِ ، أَبْيَنَ مِنْ الْعِلْمِ بِنَجَاسَةِ بَوْلِ الْإِنْسَانِ ، الَّذِي قَدْ عَلِمَهُ الْعَذَارَى فِي حِجَالِهِنَّ وَخُدُورِهِنَّ ، ثُمَّ قَدْ حَذَّرَ مِنْهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ ، فَصَارَ الْأَعْرَابُ الْجُفَاةُ أَعْلَمَ بِالْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ ، فَهَذَا كَمَا تَرَى .وَسَادِسُهَا : أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَبْوَالِ ، وَالْأَلْبَانِ ، وَأَخْرَجَهُمَا مَخْرَجاً وَاحِداً ، وَالْقُرْآنُ بَيَّنَ الشَّيْئَيْنِ إنْ لَمْ يُوجِبْ اسْتِوَاءَهُمَا فَلَا بُدَّ أَنْ يُورِثَ شُبْهَةً ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَيَانُ وَاجِباً لَكَانَتْ الْمُقَارَنَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّاهِرِ مُوجِبَةً لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ التَّمْيِيزُ حَقّاً .وَمِنْ الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ أُخْرَى فِيهَا تَنَازُعٌ ، وَهُوَ : أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ شُرْبَهَا ، وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً نَجِسَةً لَمْ يُبَحْ لَهُمْ شُرْبُهَا ، وَلَسْت أَعْلَمُ مُخَالِفاً فِي جَوَازِ التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ كَمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ مَنَاطِهِ .فَقِيلَ : هُوَ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِ التَّدَاوِي .وَقِيلَ : بَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ وَإِنَّمَا أَبَاحَهَا لِلتَّدَاوِي وَقِيلَ : هِيَ مَعَ ذَلِكَ نَجِسَةٌ .