الشرعي أن كل مطلوب هومن جملة ما يتعبد به إلى الله تعالى ويتقرب به إليه فالعبادات المحضة ظاهر فيها ذلك والعادات كلها إذا قصد بها امتثال أمر الله عبادات إلا أنه إذا لم يقصد بها ذلك القصد ويجيئ بها نحو الحظ مجردا فإذ ذاك لا تقع متعبدا أنها ولا مثابا عليها وإن صح وقوعها شرعا فالصحابة رضى الله تعالى عنهم قد فهموا هذا المعنى ولا يمكن مع فهم أن تتعارض الأوامر في حقهم ولا في حق من فهم منها ما فهموا منها فالتبتل على هذا الوجه صحيح أصيل في الجريات على السنة وكذلك كلام الحسن وغيره في تفسير الآية صحيح إذا أخذ هذا المأخذ أي اتبع الهدى واتبع أمر ربك فإنه العليم بما يصلح لك والقائم على تدبيرك ولذلك قال على أثرها « رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا » أي بك وإنه وكيل لك بالنسبة إلى ما ليس من كسبك فكذلك هو وكيل على ما هو داخل تحت كسبك مما هو تكليف في حقك ومن جملة ما توكل لك فيه أن لا تدخل نفسك في عمل تحرج بسببه حالا ومآلا وقد فسر التبتل بأنه الإخلاص وهو قول مجاهد والضحاك وقال قتادة أخلص له العبادة والدعوة فعلى هذا التفسير لا تعلق فيها لمورد السؤال وإذا تقرر هذا فالسياحة واتخاذ الصوامع وسكنى الجبال والكهوف إن كان على شرط أن لا يحرموا ما أحل الله من الأمور التي حرمها الرهبان بل على حد ما كانوا عليه في الحواضر ومجامع الناس لا يشددون على أنفسهم بمقدار ما يشق عليهم فلا إشكال في صحة هذه الرهبانية غير أنها لا تسمى رهبانية إلا بنوع من المجاز أو النقل العرفي الذي لم ثجر عليه معتاد اللغة فلا تدخل في مقتضى قوله تعالى « ورهبانية ابتدعوها » لا في الاسم ولا في المعنى وإن كان على التزام ما التزمه الرهبان فلا نسلم أنه في هذه الشريعة مندوب إليه ولا مباح بل هو مما لا يجوز لأنه كالشرع بغير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فلا ينتظمه معنى قوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس منى وأما ما ذكره الغزالي وغيره من تفضيله العزلة على المخالطة وترجيح الغربة على اتخاذ أهل عند اعتوار العوارض فذلك يستمد من أصل آخر لا من هنا وبيانه أن المطلوبات الشرعية لا تخلو أن يكون المكلف قادرا على الامتثال فيها مع