وعذل العاذل ومعرضا عن صد الصاد ولوم اللائم إلى أن من على الرب الكريم الرؤوف الرحيم فشرح لي من معاني الشريعة ما لم يكن في حسابي وألقى في نفسي القاصرة أن كتاب الله وسنة نبيه لم يتركا في سبيل الهداية لقائل ما يقول ولا أبقيا لغيرهما مجالا يعتد فيه وإن الدين قد كمل والسعادة الكبرى فيما وضع والطلبة فيما شرع وما سوى ذلك فضلال وبهتان وإفك وخسران وأن العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى محصل لكلمتي الخير دنيا وأخرى وما سواهما فأحلام وخيالات وأوهام وقام لي على صحة ذلك البرهان الذي لا شبهة تطرق حول حماه ولا ترتمي نحو مرماه ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون والحمد لله والشكر كثيرا كما هو أهله . فمن هنالك قوت نفسي على المشي في طريقه بمقدار ما يسر الله فيه فابتدأت بأصول الدين عملا واعتقادا ثم بفروعه المبنية على تلك الأصول وفي خلال ذلك أبين ما هو من السنن أو من البدع كما أبين ما هو من الجائز وما هو من الممتنع وأعرض ذلك على علم الأصول الدينية والفقهية ثم أطلب نفسي بالمشي مع الجماعة التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواد الأعظم في الوصف الذي كان عليه هو وأصحابه وترك البدع التي نص عليها العلماء أنها بدع وأعمال مختلفة . وكنت في أثناء ذلك قد دخلت في بعض خطط الجمهور من الخطابة والإمامة ونحوها فلما أردت الاستقامة على الطريق وجدت نفسي غريبا في جمهور أهل الوقت لكون خططهم قد غلبت عليها العوائد ودخلت على سننها الأصلية شوائب من المحدثات الزوائد ولم يكن ذلك بدعا في الأزمنة المتقدمة فكيف في زماننا هذا فقد روى عن السلف الصالح من التنبيه على ذلك كثير كما روى عن أبي الدرداء أنه قال لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم ما عرف شيئا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة قال الأوزاعي فكيف لو كان اليوم قال عيسى بن يونس فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان ؟ وعن أم الدرداء قالت دخل أبو الدرداء وهو غضبان فقلت ما أغضبك فقال والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعا . وعن أنس بن مالك قال ما اعرف منكم ما كنت أعهده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قولكم لا إله إلا الله قلنا بلى يا أبا حمزة قال قد صليتم حتى تغرب الشمس