جميع الأحوال مراقبة الله وخوفه ، على نحو لا يقع المعصوم معها في المعصية ، ولا تلجئه إلى فعل الطاعة ، بل هو قادر معها على فعل الشر كما هو قادر على ترك الخير ، لم يرتفع مع العصمة شئ من الاختيار والقدرة ، وإلا لما استحق ثوابا ولا جزاءا . ومهما يكن من تفسير وتحديد لمعنى العصمة فإن هناك أمرا لا اختلاف فيه ، هو أن الغاية من ثبوت العصمة للنبي أو للإمام إعداد الجو الملائم وتعبئة النفوس للوثوق بقوله وقبول دعوته ، وليكون ما يدعو إليه أكثر قبولا وأقرب استجابة من الدعوة التي لا تملك مثل هذا الجو ، ولم تقترن بمثل هذه التعبئة . ويمكن لنا أن نقيس ذلك على كثير من حياتنا اليوم ولنا أكثر من شاهد عليه . إنه لا يمكن للشعب كل شعب بل كل فرد أن يصدق من يصدق من يدعي الاصلاح أو الوطنية ، والذي يظهر الغيرة والتحرق على ذلك ، وأنه متفان في مصلحة الأمة والوطن . والشعب يعرفه جيدا أنه عاش ولا يزال في أحضان المستعمرين ويعمل لخدمة الاستعمار ومصالحه ، وهو بالأمس كان يضرب الحركات الوطنية ويمالئ الظالمين المستبدين ، ويبني صروح مجده على أنات الضعفاء والمظلومين ومن عرق الفقراء والمساكين . إن هذه الدعوة من مثله لا تلاقي وقعا في النفوس أو تصديقا وتأييدا ، وهذا على خلاف من كان له ماض كريم بالإخلاص والنزاهة والاستقامة والتضحية في سبيل الأمة والوطن ، فإن دعوته - دون شك - تكون أكثر قبولا وأقرب تصديقا وتأييدا وإصغاءا .