* روى الشارح المعتزلي : أنّه لمّا طعن عمر بيد أبي لؤلؤة ، وعَلم أنّه ميّت ، استشار في من يولّيه الأمر بعده ، فأُشير عليه بابنه عبد الله ، فقال : لاها الله ، لا يليها رجلان من وَلَد خطّاب ، حسب عمر ما احتقب ، لاها الله ، لا أتحمّلها حيّاً وميّتاً ، ثمّ قال : إنّ رسول الله مات وهو راض عن هذه الستّة من قريش : عليّ ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمان بن عوف ، وقد رأيتُ أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم ، ثمّ قال : إن أستخلف فقد استخلف مَن هو خير منّي ( يعني أبا بكر ) وإن أترُك فقد تَرَك من هو خير منّي ( يعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ) ثمّ قال : أُدعُوهم لي ، فدعوهم ، ودخلوا عليه وهو مُلقىً على فراشه يجود بنفسه ، فنظر إليهم ، وقال : كلّكم يطمعُ في الخلافة بعدي ، أو قال : قد جائني كلّ واحد منكم يهزّ عفرته يرجو أن يكون خليفة ، أفلا أُخبركم عن أنفُسِكم ؟ قالوا : قل ، فقال : أمّا أنت يا طلحة ، فإنّي أعرفُك منذ أُصيبت إصبعك يوم أُحد والبأو ، أي : العُجب والكبر ، الّذي حدث لك ، أفلست القائل : إن قُبض النبيّ لننكحنّ أزواجه من بعده ؟ وقلت فما جعل الله محمّداً أحقّ ببنات عمّنا منّا ، فأنزل الله فيك ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ) لقد مات رسول الله ساخطاً عليك . وأمّا أنت يا زبير ، فَوَعِق لَقِس ، أي : شرس سيّئ الخلق ، ضجر متبرّم ، فو الله ما لان قلبك يوماً ولا ليلا ، وما زِلتَ جلفاً جافّاً مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، شحيح ، يوماً إنسان ويوماً شيطان ، أفرأيت إن أفضت إليك ، فليت شعري مَن يكون للناس يومَ تكون شيطاناً ومن يكون يومَ تغضب إماماً ، وما كان لله ليجمع لك أمر هذه الأُمّة ، وأنت على هذه الصفة . وأمّا أنت يا عبد الرحمان ، فإنّك رجل عاجز ، تحبّ قومك ، وليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعفٌ كضعفك ، وما زُهرة [ 1 ) وهذا الأمر ! وأمّا أنت يا سعد ، فصاحب عصبيّة وفتنة ، وصاحب قَنَص ، أي : الصيد وقوس وأسهم لا تقوم بقرية لو حملت أمرها ، وما زُهرة والخلافة وأُمور الناس ! وأمّا أنت يا عثمان ، فو الله لدويبة خير منك ، هيهاً إليك ، كأنّي بك قد قلّدتك قريش هذا الأمر لحُبّها إيّاك ، فحملت بني أُميّة وبني مُعيط على رقاب الناس وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذُؤبان العرب ، فذبحوك على فراشك ذبحاً ، والله لئن فعلوا لتفعلنّ ، كرّرها ثلاثاً . وأمّا أنت يا عليّ ، فو الله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض جميعاً لرجّحتهم ، لله أنت لولا دعابة فيك ، أما والله لئن ولّيتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح المبين والمحجّة البيضاء ، فقام عليّ ( عليه السلام ) مولّياً وخرج . فقال عمر : والله إنّي لأعلم مكان الرجل لو ولّيتموه أمركم حملكم على المحجّة البيضاء . قالوا من هو ، قال : هذا المولّي من بينكم إن ولّوها الأجلح سلك بكم الطريق . قال له ابنه عبد الله : فما يمنعك منه ؟ قال : ليس إلى ذلك سبيل ، لا أجمع لبني هاشم بين النبوّة والخلافة ؟ أو قال : أكرهُ أن أتحمّلها حيّاً وميّتاً . ثمّ قال : ادعوا لي أبا طلحة الأنصاري ، ولمّا حضر عنده قال له : انظر يا أبا طلحة ، إذا عدتم من حُفرتي ، فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم ، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله ، وأجمعهم في بيت ، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم ، فإن اتّفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه ، وإن اتّفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما ، وإن اتّفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة الّتي فيها عبد الرحمان وارجع إلى ما قد اتّفقت عليه ، فإن أصرّت الثلاثة الأُخرى على خلافها فاضرب أعناقها ، وإن مضت ثلاثة أيّام ولم يتّفقوا على أمر فاضرب أعناق الستّة ، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم . ثمّ لمّا دُفن عمر ، صنع أبو طلحة ما أمره به ، ولمّا اجتمع الستّة وتكلّموا في أمر الخلافة ، قام طلحة ووهب رأيه لعثمان ، ثمّ قام الزبير ووهب رأيه لعليّ ( عليه السلام ) وخرجا من المجلس ، ثمّ وهب سعد رأيه لابن عمّه عبد الرحمان وكلاهما من بني زُهرة ، وخلص المجلس للثلاثة ، ثمّ أخرج عبد الرحمان نفسه من الخلافة على أن يختار أحد الاثنين الباقيين لذلك ، وبدأ بعليّ ( عليه السلام ) وقال له : أُبايعك على كتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الشيخين ، فقال ( عليه السلام ) : " بل على كتاب الله وسنّة نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واجتهاد رأيي " فعدل عنه إلى عثمان وعرض عليه ذلك ، فقال : نعم . ثمّ أعاد الكلام على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثانياً وثالثاً ، ولم يسمع الجواب إلاّ كأوّل مرّة ، وأعاده كذلك على عثمان وهو يُنعِم [ 2 ] في الجواب ، فصفق [ 3 ] عبد الرحمان على يده وقال له : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وتمّ الأمر لعثمان . ولكن فسد الأمر بعد ذلك بينه وبين عبد الرحمان ، فإنّه كان ينتقد على أفعال عثمان حتّى غضب عليه وأخرجه من عنده ، ونهى الناس عن مجالسته ، ولم يكلّم أحدهما الآخر حتّى مات عبد الرحمان ، ولم يكن يأتيه مدّة حياته أحد إلاّ ابن عبّاس ، فإنّه كان يأتيه ويتعلّم منه القرآن والفرائض ، وهذا ملخّص ممّا ذكره المعتزلي وغيره من قصّة الشورى [ 4 ] . [ 1 ] انظر المغني ( لقاضي القضاة ) 20 : 21 - 26 القسم الثاني ، الشافي ( للسيّد المرتضى ) 3 : 307 . [ 1 ] زُهرة : قبيلة سعد بن أبي وقّاص . [ 2 ] أنعم له : إذا قال مجيباً . [ 3 ] صفق يده بالبيعة وعلى يده صفقاً ، أي : ضرب بيده على يده . [ 4 ] شرح نهج البلاغة 1 : 185 .