حوى من البديع ما قد بلغا * نيفاً وعشرين فأعيى البلغا
( * ) فقد صحّ أنّ جمعاً منهم قد همّوا لذلك ، وعكفوا أربعين يوماً على لباب البرّ ولحوم الضأن وسلاف الخمر ، وحصروا طعامهم وشرابهم بها لتصفو أذهانهم طمعاً في معارضته بإبداع عبارة تشبهه ، ثمّ اجتمعوا ليتشاوروا بينهم في إنشاء ذلك ، فبلغهم نزول الآية الشريفة ، فدهشوا بسماعها ، وانصرفوا عمّا همّوا به ، وتفرّقوا وهم يقولون : هذا كلام ليس مثله كلام ، ولا يشبه كلام المخلوقين . وأيضاً سمع الوليد بن المغيرة - وهو بينهم يومئذ حكم عدل في تميّز مراتب الفصاحة والبلاغة - قوله تعالى : ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) فحار عجباً ودهشةً ، وأخذ يحدّ النظر عبرة وفكرة ، وهو يقول : والله إنّ له لحلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وأسفله لمغدق إلى آخره ، وسمع الأصمعي كلام جارية ، فأعجبه منطقها وقال لها : قاتلك الله ما أفصحك فقالت : ويلك أو يعدّ هذا فصاحة بعد قوله : ( وأوحينا إلى أُمّ موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) وقد أتى فيه على اختصاره بأمرين ونهيين ، وخبرين وبشارتين ، إلى غير ذلك ممّا لا يسعه المقام ( منه عفي عنه ) .