فأما قوله : ذهب الشيعة . . . . فقد بينا لك زيفه فيما سلف [123] . وأما قوله : إن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق . . . . فإنا ذكرنا فيما مضى أن ( أفعل ) هنا ليست للتفضيل ، ولا بأس أن نورد في هذا المقام كلام سيدنا الشريف العلامة الطباطبائي رحمه الله في رد شبهة الرازي ومن قلده في ذلك ، ليسفر الصبح لذي عينين ، وينكشف عن قلبك الرين ، وإنه والله لنفيس ، فاشدد به يديك ، وعض عليه بناجذيك . قال - أجزل الله مثوبته - [124] : المراد ب ( الأتقى ) من هو أتقى من غيره ممن يتقي المخاطر ، فهناك من يتقي ضيعة النفوس كالموت والقتل ، ومن يتقي فساد الأموال ، ومن يتقي العدم والفقر فيمسك عن بذل المال وهكذا ، ومنهم من يتقي الله فيبذل المال ، وأتقى هؤلاء الطوائف من يتقي الله فيبذل المال لوجهه ، وإن شئت فقل : يتقي خسران الآخرة فيتزكى بالإعطاء . فالمفضل عليه للأتقى هو من لا يتقي بإعطاء المال وإن اتقى سائر المخاطر الدنيوية أو اتقى الله بسائر الأعمال الصالحة ، فالآية عامة بحسب مدلولها غير خاصة ، ويدل عليه توصيف ( الأتقى ) بقوله : ( الذي يؤتي ماله ) إلى آخره ، هو وصف عام ، وكذا ما يتلوه ، ولا ينافي ذلك كون الآيات أو جميع السورة نازلة لسبب خاص كما ورد في أسباب النزول . قال رحمه الله : وأما إطلاق المفضل عليه بحيث يشمل جميع الناس من طالح أو صالح ، ولازمه انحصار المفضل في واحد مطلقا أو واحد في كل عصر ، ويكون المعنى : وسيجنبها من هو أتقى الناس كلهم ، وكذا المعنى في نظيره :
[123] أنظر صفحة 37 و 38 . [124] الميزان في تفسير القرآن 20 / 306 .