الشياطين وكان لوائهم ، ولم يكن لهم لواء غيره . وقد أخذ خطامه [1] سبعون رجلا من قريش ، ما نجا منهم واحد ، إلى أن صاح علي عليه السلام : ( اعقروا الجمل ، إن تعقر الجمل تفرق الناس ) ، أو نادى مناديه عليه السلام : ( عليكم بالبعير فإنه شيطان ) ، وانتدب له رجل يقال له : بحر بن ولجة الكلابي ، فضرب ساقه فسقط إلى الأرض ، أو عقره رجل برمحه وقطع إحدى يديه رجل آخر ، فبرك ورغا [2] وصاحت عايشة صيحة عظيمة ، فانهزم أصحابها . وعلم أهل المدينة بوقعة الجمل من يومها من البصرة قبل أن تغيب الشمس ، وذلك لما كانت تمر به النسور حول المدينة من الأعضاء : من يد أو رجل أو عضد ، فيتساقط عليها ، ووجد فيه كف فيه خاتم نقشه : عبد الرحمن بن عتاب ، وعلم من بين مكة والمدينة بمثل ذلك ، لما يتساقط من النسور عليهم من أعضاء بني آدم . وليس بغريب ، فقد ذكر الدميري في حياة الحيوان : ( إنه أشد الطير طيرانا وأقواها جناحا ، حتى إنه ليطير ما بين المشرق والمغرب في يوم واحد - انتهى ) [3] ، وبين المشرق والمغرب الحقيقيين على رأي القدماء : أربعة آلاف فرسخ ، وعلى رأي المتأخرين : ثلاثة آلاف وأربعمأة فرسخ ، فإن الدرجة الواحدة الأرضية عند القدماء : اثنان وعشرون فرسخا وتسعا فرسخ ، وعند المتأخرين : تسعة عشر فرسخا إلا تسع ، ومضروب الأول في ثلاثمأة وستين - محيط الدائرة - ثمانية آلاف فرسخ ، ونصفه ما ذكرنا ، ومضروب الثاني فيها ستة آلاف وثمانمأة ، ونصفه ما عرفت ، وفي التحفة ما لفظه : ( ويقولون إنه يسير في يوم واحد أزيد من ألفي فرسخ ، لأنه لو لطخ أولاده بالزعفران يحسبه يرقان ، فيأتي في يوم واحد بجحر اليرقان من سرنديب ، والمسافة بينهما ذهابا وإيابا أزيد من ألفي فرسخ ) .
[1] خطام : ما وضع في آنف البعير لتعاد به . [2] برك البعير : استناخ وألقى بركه - وهو صدره - بالأرض ، رغى البعير : صوتت فضجت . [3] حياة الحيوان 2 : 351 .