أبالسة الأنام الذين هم أضر على العوام - كما قال العسكري عليه السلام - من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه ، قال عليه السلام : ( فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال ، وهؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنهم لنا موالون ولأعدائنا معادون ، يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا ، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب - الخبر ) [1] ، فهم حفاظ القلوب والجوانح ، وهؤلاء حفاظ الأبدان والجوارح ، والبعد بين المقامين أوسع مما بين الخافقين ، قال عليه السلام : ( عليكم بالجهاد الأكبر ) ، وقال عليه السلام : ( كم من مجاهد في بيته أعلى وأفضل من المجاهد في المعركة ) . فظهر بما ذكرنا إن مدار الفضل والفضيلة بالعلم والمعرفة والتصديق لأولياء الله ، وإن الخالي منه كما قال الشاعر : لو كان في علم من غير التقى شرفا لكان أشرف كل الناس [2] إبليس ولو أمعنت النظر في أحوال الأنبياء والمرسلين يظهر لك أن اختلافهم بحسب المراتب إنما هو لاختلافهم في المعرفة والتصديق قوة وضعفا باختلاف العلم الذي هو المناط في كل الخير ، فلا تغرنك الأعمال البدنية والعبادات العادية ، والإعراض عن الدنيا وزهرتها ، والتنسك في طول الليالي وظلمتها ، فإن ربيع بن خيثم - وهو من الزهاد الثمانية الذين عرفت أسمائهم - كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، بلغ في الزهد والعبادة غاية لم يبلغها