ومن الأغرب أن يستشهد أحمد أمين على اقتناع أبي ذر بآراء ابن سبأ المزدكية بهذا القول الذي رواه الطبري قال : قام - أبو ذر - بالشام وجعل يقول : يا معشر الأغنياء ! وأسوأ الفقراء ، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة الخ [1] . فكيف يرى أحمد أمين أن مطالبة الأغنياء بمواساة الفقراء رأي مزدكي ولا يرى أنها رأي إسلامي خالص ؟ . ثم ، ألا يرى اللحمة والانسجام بين قول أبي ذر : يا معشر الأغنياء ! وأسوأ الفقراء ، وبين ما يليه من قول ( وبشر الذين يكنزون . . الخ ) وهو آية قرآنية ؟ ! أو لم يكن أبو بكر وعمر يعملان ما يقوله أبو ذر فيواسيان الفقراء ويأخذان على أيدي الأغنياء ؟ فلماذا لم يخترع لهما أحمد أمين مزدكيا غير ابن سبأ ليقول إنهما تتلمذا له وأخذا عنه آراء مزدكية ؟ ويؤكد أحمد أمين في مكان آخر من ( فجر الإسلام ) : أن عبد الله بن سبأ هو الذي حرك أبا ذر الغفاري للدعوة الاشتراكية ، وهو الذي كان من أكبر من ألب الأمصار على عثمان [2] وحاول أن يفسد على المسلمين دينهم ، وبث في البلاد عقائد كثيرة ضارة ، وكان قد طوف في بلاد كثيرة : في الحجاز والبصرة والكوفة والشام ومصر . فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقى هذه الفكرة من مزدكية العراق أو اليمن ، وأعتنقها أبو ذر حسن النية في اعتقادها [3] كل هذا ولا يخطر لمؤلف ( فجر الإسلام ) أن يطرح على نفسه هذا
[1] فجر الإسلام : ص 110 . [2] نفس المصدر : ص 269 . [3] أيضا : ص 110 .