ولكن ، ماذا كان من أمره عند ذاك ، لقد دهش الناس ساعة رأوا أن عمر يأخذ عليا بحمالة سيفه إلى دار الخلافة . ولكن دهشهم كان أعظم ساعة نظروا إلى وجه علي فإذا هو منبسط مطمئن لا يأمر بفتنة ولا يحدث باشتباك ! بل أن دهشهم تعاظم ساعة راحوا يصغون إلى ابن أبي طالب ( ع ) يجادل القوم هادئا رصينا يثير ولا يثور ، فلا تثبت أمام منطقة حجة ولا يصمد لهم برهان ! إذن ، فهو على حق في هذا الموقف الذي اتخذ . وهو مدرك كل الادراك ما له وما عليه فلماذا يرضى بمثل هذا الحال ومثل هذه المعاملة ! حقا إن دهش أصحابه لعظيم ! غير أن أمرا واحدا فاتهم عند ذاك وهو الأمر الذي لم يفت عليا ، بل كان مركز تفكيره والعلة الأولى في انبساط وجهه واطمئنانه : لقد ساهم في بناء الإسلام أجل مساهمة ، فهو لذلك مطمئن ، وها هو اليوم يدفع من ذاته ثمنا جديدا يقي الرسالة خطرا عظيما إذا انشقت الصفوف واشتبك الناس بعضهم ببعض ، فهو لذلك مرتاح . وماذا عليه وهو من طينة العظماء الحقيقيين أهل التضحية ، إن هو قام بتضحية جديدة في سبيل الرسالة ! أما موقفه من قضية أبي ذر ساعة نفاه عثمان ، فمن الواضح أشبه بموقفه هذا من قضيته هو ! ما هو الجديد الطارئ ؟ ومن الغريب حقا أن يقع في خبط باحث معاصر ( كأحمد أمين ) إذ يرى في أبي ذر الغفاري رجلا ساذجا يقوده عبد الله بن سبأ ويغريه بآراء مزدكية لكي يعينه على خراب البلاد .