والفرق بعيد بينه وبين من وجدوا الأسباب وافرة مهيأة ، كالفرق بين من يجد الشئ في يسر ، ومن يوجده ويتطلب إليه الذرائع مزاولا منه أمرا صعبا . أما إن كان غيره قد أوى ، فهذا فضل وشرف له . ولكن لسلمان من الفضل كثير لا يضيع في متاهة النسيان ، وليس لقائل أن يقول : إن ميزان سلمان قد شال لأنه لم يكن من الذين آووا . وما الذي يذهلنا عما يعرفه المسلمون في جميع الأعصار والأمصار وهو فضل سلمان في غزوة ( الخندق ) ، وانتصار المسلمين بمسعاه ، وما كان من تنافس العرب فيه ، حتى قال المهاجرون : سلمان منا ، كما قالت الأنصار هو منا ونحن إخوته ، يريدون أنه بعد تطوافه وضربه في الأرض نزل بهم . ثم قال الرسول ( ص ) : ( سلمان منا أهل البيت ) . ثم يوالي الجاحظ إدلائه في سلمان فيقول : إنه كان حديث الإسلام قليل المشاهد ، وما أسلم إلا حين انحسرت الشدة وانكشف معظم الكربة ولكنه يبادر إلى القول إنه كان عند النبي ( ص ) وجيها وقال ( ص ) فيه قولا حسنا ، كما أنه كان عند الخلفاء مقربا ويفسر الغرض من كلامه بقوله : أن سلمان ليس من الأكفاء في الإمامة ولا موضع الشورى والخلافة ، ليكون قوله في ذلك حجة يؤخذ بها فتنتقض بها الإمامة وتصرف الخلافة [1] . ولقد أحطنا في شمول بمشاعره وخواطره الدينية قبل أن ينضح الله بالإسلام على قلبه فيض اليقين ، ونحن نجد منها مصداقا لما فسر به الشريف المرتضى معنى ما رواه أبو هريرة عن النبي ( ص ) من قوله : ( كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه أو ينصرانه ) [2]
[1] نفس المصدر : ص 178 . [2] أمالي الشريف المرتضى : ج 4 ص 2 و 3 و 4 ( القاهرة - 1907 م ) .