إصلاحها ، فالإصلاح يبتني على تعمير العجلة وإعدادها للعمل مرة أخرى ، لا إبادتها . ومثله الحال بالنسبة إلى قرار الحاكم ، فلو قرر قاضي بتعزير شخص ما تأديبا له ، فهل يحق قتله بدعوى إصلاحه ؟ ! كلا وألف كلا . فموقف الخليفة يشابه هذين الأمرين ، لأنه بفعله أكد عدم إرادته التثبت والتحري ، فلو كان يريد التثبت لا يجوز له إرشاد الناس إلى عدم التحدث مطلقا بقوله : ( لا تحدثوا عن رسول الله شيئا ) ، فمجئ النكرة ( شيئا ) بعد النهي ( لا تحدثوا ) تفهم أن الخليفة لا يريد التحدث بأي شي عن رسول الله ، أي أنه يريد الاكتفاء بالقرآن ، وهو ما صرح به بالفعل بقوله : ( بيننا وبينكم كتاب الله ) . ومثله الحال بالنسبة إلى موقفه من صحيفته ، فالحرق لا يتفق مع التثبت ، فلو كان يريد التثبت لأشار إلى ضوابط ومعايير علمية في التثبت ، أو لأحال الأمر على الصحابة الموجودين عنده للبت والتثبت فيما رواه ، أو لاتخذ ما اتخذه رسول الله مع الذين كانوا يتحدثون عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( 1 ) .
1 - روى رافع بن خديج قال : مر علينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوما ونحن نتحدث ، فقال : ما تحدثون ؟ فقلنا : ما سمعنا منك يا رسول الله . قال : تحدثوا ، وليتبوأ مقعده من كذب علي من جهنم ! ومضى لحاجته ، وسكت القوم ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما شأنهم لا يتحدثون ؟ ! قالوا : الذي سمعناه منك يا رسول الله ! قال : إني لم أرد ذلك ، إنما أردت من تعمد ذلك ، فتحدثنا . قال : قلت : يا رسول الله ! إنا نسمع منك أشياء ، أفنكتبها ؟ قال : اكتبوا ، ولا حرج . ( تقييد العلم : 73 ) .