نام کتاب : مفاهيم القرآن ( العدل والإمامة ) نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 31
فما أروع هذا التشبيه حيث إن الراكب المنبت وإن كان يعدو بفرسه أميالا عديدة بغية الوصول إلى غايته ، ولكنه بفعله هذا ينتج عكس المطلوب حيث إن المركوب يعييه التعب ولا يكون بمقدوره الاستمرار في العدو ، ويبقى هو في وسط الطريق لا يهتدي إلى بغيته ، فهو لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى . فهكذا الدعوة إلى الشريعة إذا كانت مقرونة بالشدة والضعف تنتج عكس المطلوب حيث لا تجد لها أذنا صاغية ، بل يخرج الناس منها أفواجا . ولأجل ذلك صدع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسهولة شريعته ، وقال : " بعثت بالشريعة السهلة السمحة " . [1] 10 - دلت الآيات القرآنية على أن التكليف على القدر المستطاع وقد أطبق عليه العقل والنقل ، إذ كيف يمكن تكليف الناس بأعمال ، كإدخال الشئ الكبير في الظرف الصغير ، من دون تغير في الظرف والمظروف ؟ أو التحليق في الهواء دون وسيلة ، إلى غير ذلك من الأمور الممتنعة التي تدخل في نطاق التكليف بما لا يطاق ، حتى أن محققي العدلية ذهبوا إلى أن هذا النوع من التكليف المحال ، بمعنى أنه لا ينقدح في ذهن الآمر ، الطلب والإرادة الجدية المتعلقة ببعث العاجز إلى المطلوب ، ولو تظاهر به فإنما تظاهر بظاهر التكليف لا بواقعه . فتكون النتيجة : أن امتناع المكلف به يلازم امتناع نفس التكليف أيضا ، يقول سبحانه : * ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) * . [2] وقال في آية أخرى : * ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) * . [3] ومضمون كلتا الآيتين واحد ، وهو أن الله يكلف الإنسان بقدر طاقته وقابليته . هذه نماذج استعرضناها لإثبات أن التشريع الإسلامي يتمتع بمرونة ، وأنه مبني على أساس العدل . وفي الحقيقة أن التشريع الإسلامي من مظاهر عدله في هذا المجال .