نام کتاب : مفاهيم القرآن ( العدل والإمامة ) نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 22
إن رفع صرح هذا البناء الشامخ دون الاستعانة بدعائم مرئية يكشف عن تناغم دقيق في عالم الخلقة ، ولولاه لتداعت أركان العالم وانهارت ، وهذا النظام الرائع تقاسمته قوتا الجاذبية والطاردة ( النابذة ) ، وفي ظل التعادل القائم بينهما انتظمت حركة النجوم والكواكب والمجرات في مساراتها . فالجاذبية قانون عام جار على جميع الأجسام في هذا العالم ، وهي تتناسب عكسيا مع الحد الفاصل بين الجسمين إذ تتعاظم كلما تضاءلت المسافة ، وتتضاءل كلما ازدادت الفاصلة ، فلو دارت رحى النظام الكوني الدقيق على قوة الجاذبية فقط لارتطمت الكواكب والنجوم بعضها مع بعض ولتداعى النظام السائد ، ولكن في ظل قانون الطرد يحصل التعادل المطلوب ، وقوة الطرد تلك تنشأ من الحركة الدورانية للأجسام . ومهما يكن من أمر ففي ظل هاتين القوتين تبقى الملايين من المنظومات الشمسية والمجرات معلقة في الفضاء دون عمد ، وتحول دون سقوطها وفنائها ، وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم ، ويقول : * ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) * . [1] وتتضح دلالة الآية من خلال ملاحظة أمرين : الأول : إن قوله " ترونه " وصف ل " عمد " وهي جمع عمود . الثاني : إن الضمير في " ترونها " يرجع إلى الأقرب الذي هو " عمد " لا إلى السماوات التي هي أبعد ، ومعنى الآية أنه سبحانه رفع السماوات من دون أعمدة مرئية ، وهو لا ينفي العمود بتاتا ، بل وإنما ينفي العمود المرئي ، ولازم ذلك وجود العمد في رفع السماوات من دون أن يراها البشر ، وهذا هو المعنى الذي اختاره ابن