لينذرني ويوعظني بأنه يعلم ما في نفسي ! أجل أن محمدا لا يستطيع أن يقنعني بعد بنبوته وصدقها وما هي إلا حكمته وعقله وذكاءه ونبوغه . وهكذا تركت هذه الصفحة لا أريد أن أخطئ نفسي ، وحكم علي هواي رغم ما يدليه محمد الدليل أثر الدليل على صدقه . وهذا محمد يعود ليثير هواجسي مرة أخرى حينما يعلن أنها آخر حجة وأنه دعي ويجيب ، أحقا أن ذلك صادر عن منبع غيب إلهي ؟ أم إحساسه وشعوره بالضعف ودنو أجله ، وكيفما كان فلا يمنعني أن أغتنمها فرصة وأراقبها وأنا أحرض جماعتي وعصبتي واعتبر أن بلوغ آمالي إنما تتحقق إن اتخذت أبا بكر إماما لسنه وتجربته وسبقه علي وحنكته . ولقد صدق ظني به فقد كان مثلي خصالا وعقيدة وآمالا ، بيد أشد مني هدوءا وضبطا لكتمان السر ، وتدبيرا لبلوغ الهدف ، فلا مناص إلا باتباعه وتحريضه وتقديمه وإدراك ما أرجو إلا من طريقه واتباع خطاه ، حتى آتت الساعة ، ووجدنا محمدا في هذه المرة يريد أن ينزعنا آخر جلباب للعزة والشموخ ، حينما وضعنا جنودا تحت إمرة الشاب الذي لم يبلغ الثمانية عشر ، هو أسامة بن زيد ، وأعلن إمارته علينا في حملته التي هيأها محمد بنفسه ، ونحن لم نرض بأبيه زيد أميرا من قبل حتى وجدناه يؤمر علينا هذا الصبي . وعندها ثارت كوامن أبي بكر ، وأثرنا الصرخات على محمد معترضين ، ولكن محمدا في هذه المرة أيضا قام خطيبا ، وقد بدت علائم المرض تظهر عليه ، وخاطبنا كعادته مصرا على رأيه ، ومؤيد قوله بأن ذلك إنما أمر الله ، وكلمته ليس لأحد التخلف عنها ، وإذ وجد تخلفنا أعلن على رؤوس الأشهاد غاضبا : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ، وكررها ثلاثا ، بيد لم نأبه بقوله ولعنه طالما لا نعتقد