أسلم وسار كأحد المهاجرين كيف انقلب بعد هذا الزمن الطويل على عقبه يكيد للمسلمين كالحية الرقطاء ، وإذا هو ذلك الأموي ومن تلك الأحزاب المناوئة . وسترى بعد أن ترى سيرته مع بني أمية كيف سار مع آل البيت والصحابة المقربين ، بل مع الأمة الإسلامية ، لا يردعه عقل ودين ووجدان ، وكأنه ببغاء بيد مروان وآل أمية ، ينطق كيفما يكلموه ، ويفعل كيفما يعلموه [1] . ولم يردع الخليفة نصح الناصحين من بقية أعضاء الشورى العمرية وباقي الصحابة المقربين من المهاجرين والأنصار ، وكأن لم يكن في الإسلام من هو أسبق للإيمان وأتقى وأعلم وأعدل من هذا الوغد الصعلوك ، بل قل لم نجد في المنافقين الفجرة أشد رجسا منه ليوقره الخليفة هذا بعد أن قدم له مائة ألف من بيت المال . هذا الخليفة العجوز لا زال يتظاهر بالقدسية ويأخذ على ناصحيه أنه إنما يصل رحمه ، ولقد بلغ الندم بعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص على ما فعلا ، ولكن هيهات ، وقد ذكرهما الإمام علي ( عليه السلام ) بكل ما وجداه ، وحسب عثمان وهو يصل عبد الرحمن وسعدا بالأموال الطائلة من بيت مال المسلمين أنه سد أفواههم وأعمى أبصارهم ، بيد أن البلية أعظم والرزية أجل أن يتقبلها المؤمن والفاسق أمثال عبد الرحمن بن عوف وسعد وطلحة والزبير والصحابة ، وحتى أقل المسلمين . ولقد صدق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حديثة : إذا بلغ آل العاص الثلاثون اتخذوا دين الله دغلا وعباده خولا ومال المسلمين دولا . فهذا سعيد بعد الوليد الفاسق السكير ، وكان الخليفة يريد أن ينتقم من أهل
[1] تاريخ ابن عساكر 6 : 135 ، وطبقات ابن سعد 5 : 21 ط ليدن و 5 : 28 .