فمن أين أتى عمر بهذه الآراء ليقضي بها على المعارف الإسلامية والعالمية [1] . وعمر لم يتحاش من حبس وضرب وإهانة صحابي قريب أو بعيد مهما بلغت درجته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لتنفيذ مقاصده هذه ومنع الحديث والسنة . فقد حبس الصحابي العظيم أبا مسعود ، ومثله أبا الدرداء ، وأبا ذر حتى أصيب وفعل ذلك بأبي موسى [2] . وقال لكعب الأحبار لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة [3] . قال الأوزاعي ومكحول [4] : إن الكتاب أحوج للسنة من السنة للكتاب . وما منع أبو بكر وعمر أن يجمعا من عرفه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الصحابة بصدق اللهجة والعلم لجمع الحديث والسنة وتدوينها ما دام العهد قريب من وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول في صحابته ويمجد بكثير منهم فقوله في أبي ذر : " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على رجل أصدق لهجة من أبي ذر " [5] . وابن مسعود صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أفضل من قرأ القرآن وأحل حلاله وحرم حرامه ، المتفقه بالدين والعالم بالسنة [6] . وأبو الدرداء عويمر كبير الصحابة ، صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) [7] .
[1] الأسانيد والمراجع التي تثبت لنا أعمال عمر هذه : سنن الدارمي 1 : 50 ، وجامع بيان العلم 2 : 141 فيه يمنع عمر السؤال عما لم يقع ، وكتاب العلم لأبي عمر 2 : 143 ومختصره : 190 ، وفتح الباري 13 : 225 ، وكنز العمال 2 : 174 . [2] المعتمد 1 : 459 . [3] تاريخ ابن كثير 8 : 106 ، وعن أبي هريرة ، أخرجه الذهبي في التذكرة 1 : 7 ، وجامع بيان العلم 2 : 121 ، وتاريخ ابن كثير 8 : 107 ، وسنن الدارمي 1 : 84 ، وسنن ابن ماجة 1 : 15 و 16 . [4] راجع جامع بيان العلم 2 : 191 . [5] راجع مستدرك الحاكم 3 : 342 و 344 . [6] مستدرك الحاكم 3 : 312 و 315 . [7] مستدرك الحاكم 3 : 237 .