لهذا كان حريا بمن اتكأ على مسند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يسرع بجمع أحاديثه ورواياته وأفعاله وأقواله ما دام العهد قريبا ، والصحابة الراوون أحياء مجتمعين كي يمكن انتقاء ما أجمعوا عليه وأيدوه وصدقوه ، لا منع تدوين ذلك ، ذلك المنع الذي أدى بعد انقضاء الأجل ، والترك آفة النسيان ، بعد ما قتل من قتل من الصحابة في الحروب ، وتشتت الكثير منهم ، ومرت عشرات السنين على موت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتولى الحكم أعداء الإسلام الذين لا يهمهم سوى إرضاء نفوسهم الرذيلة ، كمعاوية وآل أمية وآل بني معيط . هناك نرى معاوية يدس ويزيف ويضع على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما يشاء من الأحاديث التي تحط من كرامة الإسلام ، وكرامة أولئك الذين قامت على سواعدهم وجهودهم أركان الشريعة الإسلامية ، وبالعكس رفع مقام أعداء الإسلام الغاصبين الكفرة الفجرة ، وتحريف ما شاءوا وتبديل ما زعموا ، وأعادوها عصبية جاهلية . فمن هو المسؤول عن تلك الفجائع ؟ القضاء على المعارف الإسلامية ، ووضع ملايين الأحاديث المزيفة المتناقضة التي شوهت الحقيقة وأضاعتها ، وأدخلت في الإسلام ما هو برئ منه ، وكذبت على الله وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فكانت نتيجة ذلك الدس والتحريف تمزيق الأمة إلى مذاهب وفرق تحارب الواحدة الأخرى ، وتكفر هذه تلك ، فأصبحوا ألعوبة وأضحوكة للأقوام والملل الأخرى ، وهدفا لمطامعهم . ويتسنم مقام خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من يأمر من جهة بمنع تدوين المعارف الإسلامية فيقضي عليها ، وفي الوقت نفسه يأمر بالقضاء المبرم على ما عثر عليه في الفتوحات ، من علوم ومعارف ، وتدميرها وإتلافها إحراقا وإغراقا ، ومن نبست شفتاه بحديث علم ومعرفة يوجع ضربا حتى الموت بدرة الخليفة ، وبعده