نام کتاب : محاضرات في الإلهيات نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 359
وأما في مجال الأحكام ، فيكفي في ذلك الوقوف على أن بيان الأحكام الدينية حصل تدريجا على ما تقتضيه الحوادث والحاجات الاجتماعية في عهد الرسول ص ، ومن المعلوم أن هذا النمط كان مستمرا بعد الرسول ، غير أن ما ورثه المسلمون منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن كافيا للإجابة عن ذلك ، أما الآيات القرآنية في مجال الأحكام فهي لا تتجاوز ثلاثمائة آية ، وأما الأحاديث في هذا المجال ، فالذي ورثته الأمة لا تتجاوز خمسمائة حديث ، وهذا القدر لا يفي بالإجابة على جميع الموضوعات المستجدة . ولا نعني من ذلك أن الشريعة الإسلامية ناقصة في إيفاء أغراضها التشريعية وشمول المواضيع المستجدة ، بل المقصود أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يراعي في إبلاغ الحكم حاجة الناس ومقتضيات الظروف الزمنية ، فلا بد في إيفاء غرض التشريع على وجه يشمل المواضيع المستجدة والمسائل المستحدثة أن يستودع أحكام الشريعة من يخلفه ويقوم مقامه . وأما في مجال رد الشبهات والتشكيكات وإجابة التساؤلات ، فقد حصل فراغ هائل بعد رحلة النبي من هذه الناحية ، فجاءت اليهود والنصارى تترى ، يطرحون الأسئلة ، حول أصول الإسلام وفروعه ، ولم يكن في وسع الخلفاء آنذاك الإجابة الصحيحة عنها ، كما يشهد بذلك التاريخ الموجود بأيدينا . وأما في جانب صيانة المسلمين عن التفرقة ، والدين عن الانحراف ، فقد كانت الأمة الإسلامية في أشد الحاجة إلى من يصون دينها عن التحريف وأبناءها عن الاختلاف ، فإن التاريخ يشهد على دخول جماعات عديدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى ومؤبدي المجوس بين المسلمين ، فراحوا يدسون الأحاديث الإسرائيلية والأساطير النصرانية والخرافات المجوسية بينهم ، ويكفي في ذلك أن يذكر الإنسان ما كابده البخاري من مشاق وأسفار في مختلف أقطار الدولة الإسلامية ، وما رواه بعد ذلك ، فإنه ألفي الأحاديث المتداولة بين المحدثين في الأقطار
359
نام کتاب : محاضرات في الإلهيات نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 359