رحيله عن هذه الحياة ، وحينئذ يقول : " وإني تارك " ، ولا يخفى أن أغلى الأشياء عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأثمنها في حياته : القرآن والعترة ، فكان ينبغي أن يأخذ القرآن والعترة معه ، لكن مقتضى رأفته بهذه الأمة وحرصه على بقاء هذا الدين هو أن يبقي أغلى الأشياء عنده في هذا العالم ، ويترك الثقلين الأمرين اللذين كان مقتضى الحال أن يأخذهما معه ، فيقول : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي " ، ثم يوصيهم بقوله : " ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا " ، فالغرض من إبقاء هذين الأمرين بين الأمة ، والهدف من تركهما فيهم هو أن لا يضلوا من بعده . فبهذه القرائن الموجودة في داخل الحديث ، والظروف المحيطة بهذا الحديث ، نرجح أن تكون الكلمة الثقلين لا الثقلين . وقد لاحظتم في اللفظين المذكورين أنه في اللفظ الأول يقول : " ما إن أخذتم بهما لن تضلوا " ، وفي اللفظ الثاني يقول : " ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا " ، وهذان اللفظان موجودان عند غير الترمذي أيضا . فلفظة " ما إن أخذتم " أو لفظة " الأخذ " موجودة في مسند أحمد [1] ، وفي مسند ابن راهويه [2] ، وفي طبقات ابن سعد [3] ، وفي صحيح الترمذي [4] ، وفي مسند أبي يعلى [5] ، وفي المعجم الكبير للطبراني [6] ، وفي مصابيح السنة للبغوي [7] ، وفي جامع الأصول لابن الأثير [8] ، وفي غيرها من المصادر .
[1] مسند أحمد 5 / 492 رقم 18780 . [2] أنظر : المطالب العالية لابن حجر العسقلاني ، رقم 1873 . [3] طبقات ابن سعد 1 / 194 . [4] صحيح الترمذي 2 / 219 . [5] على ما في بعض المصادر ، مثل كتاب مفتاح النجا للعلامة البدخشي . [6] المعجم الكبير للطبراني 3 / 62 رقم 2678 - دار إحياء التراث العربي . [7] مصابيح السنة 4 / 190 رقم 4816 - دار المعرفة - بيروت - 1407 ه . [8] جامع الأصول 1 / 278 رقم 66 - دار الفكر - بيروت - 1403 ه .