مواردهما المجبورة بعمل الأصحاب ، هو اختصاص الخيرة بموارد الجهل بالمنافع و المضارّ الدنيويّة ، لا الجهل بالحكم ، و لا بالموضوع ، و اختصاص القرعة ببعض موارد الجهل بالمنافع و المضارّ ، و ببعض موارد الجهل بالحقوق الجزئيّة و الموضوعات الصريحة ، بخلاف الجهل بالحكم ، أو بالموضوع المستنبط ، فإنّ المرجع فيهما إلى الاصول العمليّة على ما استقرّ عليه عمل الأصحاب . و إذ قد وقفت على هذه المقدّمة فلنرجع إلى ما كنّا فيه من تحقيق الحقّ في المسألة فنقول : لا يخفى أنّ نفي شرعيّة الخيرة و القرعة رأسا إفراط من بعض العامّة ، كذلك الالتزام ببعض مراتبها المذكورة تفريط من أصحابنا المتأخّرين ، و خير الأمور أوسطها . و تفصيل هذا الاجمال هو أن يقال : أمّا شرعيّة الخيرة و القرعة و العمل بمؤدّاهما فهو و إن أنكرها العامّة قياسا على القمار و المقامرة إلَّا أنّه لا خلاف و لا إشكال بين الخاصّة نصّا و لا فتوى في ثبوتها في الجملة في مقابل السلب الكلَّي . و يدلّ عليه - ما عدا العقل المستقلّ - كل واحد من سائر الأدلَّة الثلاثة الباقية : أمّا من الكتاب : فيكفي في شرعيّة أصل الاستخارة عموم قوله تعالى * ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) * [1] * ( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) * [2] . و عموم قوله تعالى * ( وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) * [3] .
[1] سورة غافر : 60 . [2] سورة الفرقان : 77 . [3] سورة إبراهيم : 12 .