فيتضح من جميع ما تقدم : أن الإسلام حين ألزم بالإيمان بالغيب ، فإنه لم يرده غيبا هائما ، وخاويا ومبهما ، بل أراده الغيب الهادف والواعي ، الذي يتجسد على صفحة القلب والنفس ، ويزيد وضوحا وتجذرا ورسوخا ، من خلال الوسائل التي أراد الله سبحانه أن ينقل بواسطتها العنصر الغيبي إلى وعينا ليستقر فيه مقترنا بها ، ومعتمدا عليها ، ومستندا إليها . فالثقافة الغيبية إذن ، من شأنها أن تبعد الإيمان بالغيب ، عن أن يكون حالة خوف من المجهول ، ليكون الغيب شهودا قلبيا حقيقيا ، يعقد عليه القلب ، ويتقوم به الإيمان ، وتخضع له المشاعر ، وينطلق ليصبح حياة في الوجدان ، ويقظة في الضمير ، وليكون موقفا ، وحركة وسلوكا ، وسجية وبادرة عفوية صريحة وخالصة . مع أنه في الوقت نفسه لا يزال هذا الغيب منفصلا على إحساس الحواس ، حيث لا يمكنها أن تناله ، وتبقى عاجزة حياله ، إذ هو متصل بما هو أسمى منها ، ويغنيه عنها ، مستمسك بأسبابه ، ومنطلق في رحابه . وبنظرة إجمالية على الوسائل والدلائل التي تجسد هذا الغيب في قلب الإنسان ، وتحوله إلى عنصر إيماني مؤثر وفاعل . . . نجد : أن الإسلام في تعاطيه التربوي مع هذه الناحية الحساسة ، قد أراد للغيب أن ينطلق من بوتقة الفكر والوعي ليستقر في القلب ، وليحتضنه هذا القلب بحنان ليجد معه الرضا والسكينة ، وليهوم - من ثم - في رحاب الروح ، في تفاعل مشاعري ، وعاطفي متوهج وعارم . ثم هو لا يزال يسري في كل كيان الإنسان ، ليصوغ أحاسيسه ، ومشاعره ، وليصبح من ثم سمعه وبصره ، وفكره ، وبسمته ،