منه الروائح الكريهة للشهوات البهيمية ، وتنبعث فيه الأهواء ، وتضج فيه الجرائم . 10 - وفي محيط فرعون ، تريد امرأة فرعون أن تتخلى عن لذات محسوسة وحاضرة من أجل لذة غائبة عنها ، مع أن الإنسان كثيرا ما يرتبط بما يحس ويشعر به ، أكثر ما يرتبط بما يتخيله أو يسمع به ، بل هو يستصعب الانتقال من لذة محسوسة إلى لذة أخرى مماثلة لها ، فكيف يؤثر الانتقال إلى ما هو غائب عنه ، ولا يعيشه إلا في نطاق التصور والأمل بحصوله في المستقبل ، ثقة بالوعد الإلهي له . بل إنها عليها السلام تريد أن تستبدل لذة وسعادة ونعيما حاضرا بألم وشقاء ، وبلاء ، بل بموت محتم لقاء لذة موعودة . 11 - وبعد ذلك كله ، إن هذه المرأة لا تواجه رجلا كسائر الرجال ، بل تواجه رجلا عرف بالحنكة ، والدهاء ، والذكاء . فكما كان عليها أن تواجه استكباره ، وسلطانه ، وبغيه ، وكل إرهابه ، وإغراءه ، فقد كان عليها أيضا أن تواجه مكره ، وأحابيله ، وتزويره ، وأساليبه الذكية الخداعة ، وهو الذي استخف قومه فأطاعوه . وقد ظهرت بعض فصول هذا الكيد والمكر في الحوار الذي سجله الله سبحانه له مع موسى ، ومع السحرة الذين جاء بهم هو ، فآمنوا بإله موسى [1] .
[1] إن حنكة فرعون كانت عالية إلى درجة أنه - كما قال القرآن الكريم - استخف قومه فأطاعوه ، أي أنه قد تسبب في التأثير على مستوى تفكيرهم ، وخفف من مستوى وعيهم للأمور . . كما أننا حين نقرأ ما جرى بينه وبين موسى والسحرة ، نجده أيضا في غاية الفطنة والدهاء ، فقد قال تعالى :