نام کتاب : في ظلال التوحيد نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 601
عن أناس صالحين ثم إنها بكثرتها تدل على أن التوسل كان أمرا رائجا منذ عصر الصحابة إلى زماننا هذا ، ولم يكن أمرا غريبا عند المسلمين . ولو فرضنا أن بعض هذه القضايا تخالف الواقع ، فلا ريب أنه من باب استغلال الوضاعين لأصل مسلم صحيح بين المسلمين ، وهو صحة التوسل بدعاء النبي الأكرم بعد رحيله ، فإنهم نسجوا بعض القضايا في ظل ذلك الأصل . ولو فرضنا أنه لم يكن أمرا رائجا بين المسلمين بل كان أمرا غريبا أو محظورا لما تجرأ المستغل أن ينسج قضية كاذبة على نول الشرك أو المحرم ، فإن الذي يحفز الوضاع على نسج الخرافة هو استعداد العامة لقبول تلك الخرافة ولولاه لما تجرأ عليه لعدم حصول الغاية المتوخاة من نسجها . فهذه القضايا الكثيرة تدل - على كلا التقديرين - على المطلوب ، فإن كانت صادقة فبصدقها ، وإن كانت كاذبة فلأجل حكايتها عن وجود أصل مسلم بين المسلمين وهو التوسل بدعاء النبي الأكرم قبل وبعد موته ، وكان هذا الأصل ربما يستغل أحيانا من بعض المتاجرين بالدين . على أن بعضها مما رواه الإمام البخاري وسائر أصحاب الصحاح فلنذكر نماذج : 1 - هذا أبو بكر : أقبل على فرسه من مسكنه بالسنخ حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة - رضي الله عنها - فتيمم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو مسجى ببرد حبرة ، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى ، فقال : بأبي أنت يا نبي الله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها [1] . فلو لم تكن هناك صلة بين الحياتين فما معنى قوله : " بأبي أنت يا نبي الله " لو لم يكن سماع فماذا قصد ذلك الصحابي من قوله : " لا يجمع الله عليك موتتين " .