نام کتاب : في ظلال التوحيد نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 598
والنافون لما وراء الطبيعة يعتقدون بأن الموت فناء الإنسان وضلاله في الأرض بحيث لا يبقى شئ من بعد ذلك إلا الذرات المادية المبعثرة في الأرض ، ولهذا كانوا ينكرون إمكان إعادة الشخصية البشرية ، إذ ليس هناك شئ متوسط بين المبتدأ والمعاد . ولهذا جاء الوحي يندد بتلك الفكرة ويفند دليلهم المبني على قولهم : { أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد } فردهم بقوله : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } [1] . وتوضيح الرد أن الموت ليس ضلالا في الأرض وأن شخصية الإنسان ليست هي الضالة الضائعة في ثنايا التراب ، وإنما الضال في الأرض هو أجزاء البدن المادي ، فهذه الأجزاء هي التي تتبعثر في الأجواء والأرض ، ولكن هذه لا تشكل شخصية الإنسان ، بل شخصيته شئ آخر هو الذي يأخذه ملك الموت ، وهو عند الله محفوظ ، كما يقول : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } فإذا لا معنى للتوفي إلا الأخذ وهو أخذ الأرواح والأنفس ونزعها من الأبدان وحفظها عند الله . وهناك آية أخرى تفسر لنا معنى التوفي بوضوح وأنه ليس بمعنى الموت والفناء ، بل الأخذ والقبض أي قبض شئ موجود وأخذ شئ واقعي ، يقول سبحانه : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [2] فمفاد الآية أن الله يقبض الأنفس ويأخذها في مرحلتين : حين الموت وحين النوم ، فما قضى عليها بعدم الرجوع إلى الدنيا أمسكها ، ولم يردها إلى الجسد ، وما لم يقض