نام کتاب : في ظلال التوحيد نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 543
إن الآية تحدد الدعوة التي تعد عبادة بجعل المخلوق في رتبة الخالق سبحانه كما يفصح عنه قوله : { مع الله } [1] وعلى ذلك فالمنهي هو دعوة الغير ، وجعله مع الله ، لا ما إذا دعا الغير معتقدا بأنه عبد من عباده لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا ولا حياة ولا بعثا ولا نشورا إلا بما يتفضل عليه بإذنه ويقدر عليه بمشيئته ، فعند ذاك فالطلب منه بهذا الوصف يرجع إلى الله سبحانه . وبذلك يبدو أن ما تدل عليه الآيات القرآنية من أن طلب الحاجة من الأصنام كان شركا في العبادة ، إنما هو لأجل أن المدعو عند الداعي كان إلها أو ربا مستقلا في التصرف في شأن من شؤون وجوده أو فعله . قال سبحانه : { الذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون } [2] ترى أنه سبحانه يستنكر دعاءهم بقوله : { لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون } وقوله : { عباد أمثالكم } [3] مذكرا بأن عقيدتهم في حق هؤلاء عقيدة كاذبة وباطلة فالأصنام لا تستطيع نصرة أحد ، وهذا يكشف عن أن الداعين كانوا على جانب النقيض من تلك العقيدة وكانوا يعتقدون بتملك الأصنام لنصرهم وقضاء حوائجهم من عند أنفسهم . وحصيلة البحث : أن الدعاء ليس مرادفا للعبادة ، وما ورد في الآية والحديث من تفسير الدعاء بالعبادة لا يدل على ما يراه المستدل ، فالمراد من الدعاء فيهما قسم خاص منه ، وهو الدعاء المقترن باعتقاد الألوهية في المدعو والربوبية في المطلوب منه كما عرفت .